رسالتي إلى العراب : ( السي مصطفى نخشى )

17 نوفمبر 2021

ذة : سمية نخشى

نعم، العراب ، عمي الغالي ، العمود الشامخ لعائلتنا، منارتها المضيئة و كبيرها قدرا، شأنا و مكانة.
قد تفاجؤك رسالتي اليوم، دون مقدمات آنية، لكن استهلالها في الحقيقة صاحب سنوات عمري، و أخطها اليوم بنبضات قلبي و بدغدغة ذكريات تحفر في طفولتي الأولى، فأنت من وثقت شهادة ميلادي في غياب والدي عن مدينتنا لظروف عمله . مذ فتحت عيني على الدنيا وجدتك حاضرا داخل أسرتي، أخا عزيزا لوالدي، صديقه الصدوق، رفيقه المؤنس و مستشاره المخلص.
عطرت طفولتي بنكهتك الخاصة، وكنت ماهرا في مداعبة غبائي و مشاكسة براءتي، فكنت تجعلني أضحك و ابكي في نفس الآن، بين مدح و قدح، مدح يقدح شرارة فرحي و قدح يفجر ثورة غضبي و عصيبتي( حسب ما حكيتم لي )
ثم كان اهتمامك بتعليمي، فعملت على إلحاقي بالقسم الداخلي للبعثة الفرنسية لأخوات اليسوع بمدينة مكناس محل إقامتك يومها ليكون تعليمي أجنبيا و توفقت في ذلك، لكن تعلق والدي بي، انا الإبنة البكر ، جعلهما يعودان ادراجهما بي إلى مدينة تفلت حيث كنا نقيم آنذاك لالتحق بالمدرسة العمومية.
رافقتني، انا ووالدي في سفرنا إلى مدينة فاس لتسجيلي بكلية الآداب والعلوم الانسانية بعد حصولي على شهادة البكالوريا، فكنت شاهدا على أول خطوة لي في عالم غريب عني ولجته قسرا وودعته قهرا.
تعلمت منك بعد والدي أن العائلة أولوية و أن الأسرة بيت مقدس


جمعتنا الأعياد و المناسبات و تشاركنا رحلات الاصطياف و استمتعنا بأمسيات سعيدة تزينها حكاياتك المشوقة ، تبلتها بروح النكتة التي حباك الله بها و بخفة دم قل نظيرها يشهد لك بها كل من عرفك.
إلى أن رحل والدي إلى دار البقاء، فكنت لنا ،انا و إخوتي ،ظهرا ، سندا و ظلا ظليلا. لم تتخلف يوما عن موعد لك معنا، و لم تتقاعس لحظة عن أي واجب تجاهنا، كنت دوما إلى جانبنا في السراء و الضراء، و تقاسمت معنا أفراحنا و أتراحنا. لم تبخل علينا يوما بنصائحك و توجيهاتك الرشيدة ، و لم تقتر في دعمك المعنوي لنا و بسطت لنا حضنا منحنا من الطمأنينة نصيبا ، لهذا كنت لنا ( و لازلت ) عرابا و ابا روحيا.
ثم كانت الوعكة التي ألمت بصحتك مؤخرا، دعونا الله جهرا و في ظهر الغيب و توسلت له أن يرجى ء رحيلك فلا طاقة لي بفقد جديد و لن أتحمل وجع فراق آخر.
استجاب المولى لدعائنا و أكرمنا بعودتك سالما معافى تتوسط عقد العائلة.
لهذا أبوح لك اليوم بأنني أفتخر بك إنسانا شهما ، نبيلا ، رجلا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، مفرد بصيغة الجمع لتعدد خصالك و شيمك الحميدة، و يكفيك فخرا ، انك عمدة مجموعة القصريين بمدينة القنيطرة ،و شريانها النابض ، يدك دائما ممدودة بالخير للجميع ، تبادر لأي تكافل أو تآزر ، تبذل خدماتك للبعيد قبل القريب ، و للغريب قبل الحبيب ، المنظم في التجمعات و الموفق في الخلافات.
أعتز بانتمائك القوي لمدينتنا ، بغيرتك على تاريخها ، و أنوه بك ذاكرة حية ثرية لتراثها و موروثها، فكم اسعدنا حكيك عن نوادرك مع المرحوم عبد السلام عامر و كم أبهرنا وصفك الخرافي لمدينتنا في حللها الأصيلة و العتيقة و ترديدك لأمجادها.
و ها أنتذا اليوم أحد حاملي مشعلها المعرفي و الفكري بانخراطك المتواري في الإسهامات الثقافية المشرفة لمدينتنا.
و الأجمل من كل هذا وجهك البشوش دوما تنثر طاقتك الإيجابية أينما حللت و ارتحلت، هندامك الانيق ، مضرب مثلنا ،و إطلالتك البهية.
و لن انسى وطنيتك، موضوع احاديثنا الهاتفية شبه اليومية ، حين استفزك بانتقاد ما لسياسة الدولة، فتندفع مجلجلا صوتك بمرافعة عصماء عن تدبير الدولة الجيد للجائحة، عن ديبلوماسيتها القوية، عن المشاريع المستقبلية الضخمة و عن الإنجازات المدهشة، فلقبتك ب ” الوطني ” ، و أقسمت لك بانك تستحق وسام الدولة من أعلى درجة على وطنيتك المتجذرة ، و لا عجب فقد قضيت سنوات عمرك المهني في خدمة طلبة المدرسة الملكية للشرطة ببوقنادل ثم بالقنيطرة و انت تمارس مهام التدريس، فاغدقت عليهم من عطفك و اهتمامك ،و كان للطلبة القصريين عندك مكانة خاصة دون أي تمييز طبعا.
ثم تنتهي مكالمتنا بان استودعك من لا تضيع ودائعه.
اخيرا ، لا يسعني إلا أن أكذب البيت الشعري القائل :
يأتيك العم و الهم معه / و يأتيك الخال من الخير خال
ليصدح صوتي عاليا مرددا:
ما أروعك……

في 16\11\2021

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading