
بقلم : ذ . ادريس حيدر
رجل امتطى صهوة الوفاء
و نافح من أجل نور الضياء
أفتح كوة ، و أدعوكم للإطلالة منها على الزمان و المكان و الأشخاص .
نحن الآن في بداية التسعينات ، حيث كانت الأوضاع السياسية في البلاد ، صعبة و محتقنة و رمادية .
كما أن المشهد الحقوقي كانت تطاله انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ، مما حدا بالدولة المغربية ، و نتيجة للضغط الدولي ، أن تُرَوَّجَ لفكرة أن المغرب يحترم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا .
و إذن، في هذا السياق ، عادت منظمة العفو الدولية لمزاولة نشاطها في المغرب ، لكن عودتها لم يكن مرغوبا فيها .
و كانت أول محطة نضالية ، أسست لهذه العودة المنتظرة و المحمودة هي :
– حملة ” تجديد العهد ” و التي كانت تقتضي حشد توقيعات كل أطياف المجتمع : سياسية ، نقابية ، اجتماعية ، حقوقية و ثقافية من أجل الالتزام بالإعلان لحقوق الإنسان .
و قد لقيت هذه الحملة نجاحا مبهرا ، حيث كللت بمليون توقيع .
و كانت هذه الحساسية ، إعلانا بالتحاق منظمة العفو الدولية بالركح الحقوقي المغربي .
– ندوة : ” إسهامات الحضارات و الثقافات المختلفة في الارتقاء بقيم و مبادئ حقوق الإنسان ” ، و قد شارك فيها مختصون و محاضرون من كل أرجاء العالم .
– ” مهرجان السينما لحقوق الإنسان ” و الذي شهد مشاركة فنانين عرب و أجانب ، و لقي هو الآخر نجاحا متميزا .
كما نظمت المنظمة كثيرا من الندوات حول : المرأة ، الإعلام ، النقابات و الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية ، مخيمات الأطفال و الشباب ، معارض الكتاب …الخ .
وكانت أول من أطلق في المغرب برنامجا للتربية على حقوق الإنسان ، حيث أبانت عن علو كعبها و أصبحت لدى المختصين مرجعا و دليلا ناجعا و مفيدا .
و ساهمت أيضا في حملات الحركة الدولية ك : مناهضة عقوبة الإعدام ، مناهضة التعذيب ، و حملة حرية الرأي و التعبير …الخ .
كل هذه الأنشطة وأخرى لا يسمح هذا الحيز ببسطها و سردها و عرضها ، كان مهندسها هو :ذ. محمد السكتاوي .
و مما لا شك فيه أنها حققت أثرا طيبا و ملموسا ، ذلك أن الدولة المغربية ، و كما هو في علم الجميع ، وقعت على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب ، كما أنها أوقفت عقوبة الإعدام .
و في هذا الإطار فإن النجاح الذي توجت به هذه الفعاليات ، جعلت الفقيد عرضة لحملات مغرضة من طرف جهات معلومة و أقلام مأجورة ، إلا أنها لم تنل شيئا من شجاعة الرجل و مصداقيته و نزاهته .
و إذن في ظل هذه النجاحات الكبيرة التي صاحبت أنشطة المنظمة ، ماهي يا ترى الرسائل و الدروس و التوجيهات التي لقنها الفقيد لمناضلي المنظمة ؟
أكاد أقول أنه علمها ما لم تكن تعلم ، و من بين تلك الذرر الغالية التي نثرها في فضائها :
1 – الاشتغال بتخطيط و عقلانية بعيدا عن العفوية و الارتجال .
2 – وضع خطة تشغيلية لكل برنامج أو نشاط أو فعالية .
3 – تسطير أهدافه سلفا و الوسائل المتاحة لتنفيذه ، و الفرص السانحة لنجاحه ، و المخاطر التي تهدده و المحدقة به .
4 – وضع سيناريوهات لكل طارئ يهدد العمل أو البرنامج بالفشل .
5 – تحريضه العضوية من أجل التعبير عن رأيها و على الثقة في النفس ، مؤكدا دائما على أن كل رأي و مهما كان يشكل إضافة للموضوع المناقش ، لذلك كان يرفع هذا الشعار و يردده بقوة :” افتح فاك “.
6 – دعوة المناضلين إلى أن يطبع نقاشاتهم الهدوء و الأخلاق ، و فيما إذا حصل اختلاف مع الآخر ، أن يكون “رحيما “.
7 – تنبيهه لهم بأن المرء ، لا يملك الحقيقة المطلقة ، بل ما لديه من حقائق أو معطيات ، نسبي .و تعليمات و نصائح أخرى مجدية و مفيدة .
و قد كان هدفه منها : تكوين المناضل تكوينا متينا و رفيعا ، من خلاله سيتميز ب” سحنة أمنيسيتي ” Profil d’Amnesty “.
و هنا قد يُطرح سؤال محوري و مشروع :
– ماهو السر في نجاحات كل أنشطة المنظمة ؟
إن الفضل بدرجة أساسية ترجع للفقيد و لمميزاته الإنسانية و لنهجه القويم .
فهو رجل التواصل بامتياز ، يخلق لدى الغير شعورا بالارتياح و الإطمئنان و حسن الإنصات و الاستجابة .
فضلا عن ذلك فلقد كان فسيح الرؤية ، رحب النظرة ، استراتيجي التفكير ، عطوفا ، حنونا ، حليما ، حييا ، معطاء ، شامخا ، نبيلا ، نزيها ، مبدئيا و حاتميا .
امتطى صهوة الوفاء ، و نافح من أجل نور الضياء .
حَلُمَ بمغرب ديمقراطي يسع كل أبنائه ، و حق الجميع في المواطنة و الكرامة و العدالة الاجتماعية
كان كذلك قوة هادئة و هادرة ، بل مدرسة لحقوق الإنسان ، كما نعته السيد الرئيس و النقيب :ذ . عبد الرحيم الجامعي .
رجل حمل متاعب و هموم الإنسانية في عقله و ضميره ، و أنار سبيلها بِسَنَا و نور الفضيلة من خلال نثره قيما فضلى في فضائها .
رجل فرد بصيغة الجمع ، متعدد الخصال و المواهب .
لن أسد الكوة التي فتحتها ، لأترك نسائم الفقيد العليلة و الزكية بعطر الزهر تداعب وجداننا .
أجل ، إن المصاب و الفقد جلل و الحزن بارد و ثقيل و رصاصي .
فلكل مناضلي م.ع.د. و أصدقاءه و محبيه : خالص العزاء و لأسرته المكلومة صبرا جميلا و لروحه الطاهرة : الطمأنينة و السكينة و السلام .