شاعر وقصيدة

30 يناير 2025
Oplus_0

بقلم عبد القادر محمد حسن الغزاوي

أقدم إلى القراء الكرام بصفة عامة وإلى محبي الأدب العربي وعشاق الشعر العربي بصفة خاصة جماعة من الشعراء العرب الذين خلدهم شعرهم الرائع والجميل من القديم والحديث ، وكذا مختارات من روائع شعرهم الخالد ، دون الأخذ بعين الاعتبار ترتيبهم الزمني وعصورهم الأدبية . وقد أعملت جهدي المتواضع ما استطعت لأقدم إليكم هذه الطائفة الشعرية الرائعة المختارة حتى تنال إعجابكم وتروقكم ، وأن ينال هذا الاختيار إقبالكم واستحسانكم . لأني لا أختار ما تختارون ، ولا أنتم مختارون ما أختار ، لكم اختياركم ولي اختياري.

4 ) أبو فراس الحمداني
( 320 ـ 357 هـ / 932 ـ 968 م )

الأمير الأسير… شاعر الروميات

الشاعر : أبو فراس الحمداني الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون ، ولد في الموصل سنة 320 هـ / 932 م ، ينتمي إلى أسرة أمراء بني حمدان ، وهو ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة . بعد وفاة والده سعيد تولت أمه رعايته وتربيته ، ونشأ داخل بلاط سيف الدولة أمير الدولة الحمدانية بحلب ، وهو ابن عمه وزوج أخته ، حيث أصبح أميرا بالدولة الحمدانية وتولى إمارة منبج . كان يتميز بشجاعة فائقة وقد تدرب على فنون الفروسية والحرب ، وتمكن من الحصول على ثقافة واسعة ، حيث كان يجالس كبار الأدباء والشعراء واحتك بهم داخل قصر سيف الدولة . وتتلمذ على اللغوي والأديب الشهير ابن خالويه وغيره . وقد نبغ في الشعر ، حيث نظم قصائد في الفخر والمدح والرثاء والغزل والوصف والشكوى . فكان يفتخر بنفسه وقومه ، ويمدح سيف الدولة ، ونظم قصائد في رثاء أمه . وله قصائد كثيرة مشهورة نظمها خلال وجوده أسيرا لدى الروم ، بعد أسره في إحدى المعارك ، حيث أصيب بجرح نتيجة إصابته بسهم في فخذه فنقلوه إلى بلدة خَرشَنة ومنها إلى قسطنطينية . وظل بالأسر إلى أن فداه سيف الدولة بعد مرور عدة سنوات ، وهناك اختلاف بين مؤرخي الأدب حول عدد المرات التي أسر فيها . وقد عرفت هذه القصائد ” بالروميات ” عند مؤرخي الأدب والنقاد العرب والمستشرقين ، وهي من أجمل قصائده الشعرية ، وأشهرها في الأدب العربي ، حيث حققت شهرة كبيرة . وقد مات أبو فراس الحمداني مقتولا سنة 357 هـ / 968 م في معركة دارت بينه وموالي أسرته .
لم يجمع الشاعر أبو فراس الحمداني شعره في ديوان أو يعمل على نشرها ، بل ظلت متفرقة وموزعة إلى أن توفي ، فقام أستاذه ابن خالويه بجمعها وضبطها ونشرها في ديوان . يقول حنا الفاخوري في كتابه ” تاريخ الأدب العربي ” إن أول طبعة للديوان ظهرت في بيروت سنة 1873 م ، ثم تلها طبعات مختلفة ، وفي سنة 1944 م ظهرت طبعة جديدة محققة من طرف سامي الدهان ، وكلها منقولة عن ( نسخة حسب رواية ابن خالويه ، وعن نسخة مخطوطة مغربية هي نسخة الأمير أحمد منصور الذهبي المكتوبة سنة 979 هـ ) .
واعتبره بعض مؤرخي الأدب العربي من أشعر الشعراء المجيدين والذين نالوا شهرة كبيرة ، فقد قال الصاحب عنه : ( بدئ الشعر بملك وختم بملك ) . يعني امرؤ القيس وأبو فراس . وقال عنه الثعالبي قي كتابه ” يتيمة الدهر ” : ( كان فرد دهره وشمس عصره ، أدبا وقفلا ، وكرما ونبلا ، ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة ، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة ، والسهولة والجزالة … ) .

القصيدة : قصيدة أراك عصي الدمع : تعتبر هذه القصيدة من أجمل قصائد الشعر العربي، ومن أروع القصائد الروميات لأبي فراس الحمداني التي نظمها وهو في الأسر لدى الروم ، وهي قصيدة طويلة يمكن الرجوع إليها في ديوانه . وقد سبق أن غنت المطربة الراحلة أم كلثوم بعض الأبيات منها قديما بلحن عبده الحمولي سنة 1924 م ، ومرة أخرى سنة 1942 م بلحن زكريا أحمد ، وأخيرا غنتها بلحن رياض السمباطي وهي الأغنية المشهورة حاليا ، حيث أتيح لها الذيوع والانتشار .

أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ
أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ
بَلى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَةٌ
وَلَكِنَّ مِثلي لايُذاعُ لَهُ سِرُّ
إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى
وَأَذلَلتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ الكِبرُ
تَكادُ تُضيءُ النارُ بَينَ جَوانِحي
إِذا هِيَ أَذكَتها الصَبابَةُ وَالفِكرُ
مُعَلِّلَتي بِالوَصلِ وَالمَوتُ دونَهُ
إِذا مِتَّ ظَمآناً فَلا نَزَلَ القَطرُ
حَفِظتُ وَضَيَّعتِ المَوَدَّةَ بَينَنا
وَأَحسَنَ مِن بَعضِ الوَفاءِ لَكِ العُذرُ
وَما هَذِهِ الأَيّامُ إِلّا صَحائِفٌ
لِأَحرُفِها مِن كَفِّ كاتِبِها بَشرُ
بِنَفسي مِنَ الغادينَ في الحَيِّ غادَةً
هَوايَ لَها ذَنبٌ وَبَهجَتُها عُذرُ
تَروغُ إِلى الواشينَ فِيَّ وَإِنَّ لي
لَأُذناً بِها عَن كُلِّ واشِيَةٍ وَقرُ
بَدَوتُ وَأَهلي حاضِرونَ لِأَنَّني
أَرى أَنَّ داراً لَستِ مِن أَهلِها قَفرُ
وَحارَبتُ قَومي في هَواكِ وَإِنَّهُم
وَإِيّايَ لَولا حُبَّكِ الماءُ وَالخَمرُ
فَإِن يَكُ ماقالَ الوُشاةُ وَلَم يَكُن
فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ ماشَيَّدَ الكُفرُ
وَفَيتُ وَفي بَعضِ الوَفاءِ مَذَلَّةٌ
لِإِنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدرُ
وَقورٌ وَرَيعانُ الصِبا يَستَفِزُّها
فَتَأرَنُ أَحياناً كَما أَرِنَ المُهرُ
تُسائِلُني مَن أَنتَ وَهيَ عَليمَةٌ
وَهَل بِفَتىً مِثلي عَلى حالِهِ نُكرُ
فَقُلتُ كَما شاءَت وَشاءَ لَها الهَوى
قَتيلُكِ قالَت أَيَّهُم فَهُمُ كُثرُ
فَقُلتُ لَها لَو شِئتِ لَم تَتَعَنَّتي
وَلَم تَسأَلي عَنّي وَعِندَكِ بي خُبرُ
فَقالَت لَقَد أَزرى بِكَ الدَهرُ بَعدَنا
فَقُلتُ مَعاذَ اللَهِ بَل أَنتِ لا الدَهرُ
وَما كانَ لِلأَحزانِ لَولاكِ مَسلَكٌ
إِلى القَلبِ لَكِنَّ الهَوى لِلبِلى جِسرُ
وَتَهلِكُ بَينَ الهَزلِ وَالجَدِّ مُهجَةٌ
إِذا ماعَداها البَينُ عَذَّبَها الهَجرُ
فَأَيقَنتُ أَن لاعِزَّ بَعدي لِعاشِقٍ
وَأَنَّ يَدي مِمّا عَلِقتُ بِهِ صِفرُ
وَقَلَّبتُ أَمري لا أَرى لِيَ راحَةً
إِذا البَينُ أَنساني أَلَحَّ بِيَ الهَجرُ
فَعُدتُ إِلى حُكمِ الزَمانِ وَحُكمِها
لَها الذَنبُ لاتُجزى بِهِ وَلِيَ العُذرُ
كَأَنّي أُنادي دونَ مَيثاءَ ظَبيَةً
عَلى شَرَفٍ ظَمياءَ جَلَّلَها الذُعرُ
تَجَفَّلُ حيناً ثُمَّ تَرنو كَأَنَّها
تُنادي طَلاً بِالوادِ أَعجَزَهُ الخُضرُ
فَلا تُنكِريني يا اِبنَةَ العَمِّ إِنَّهُ
لِيَعرِفُ مَن أَنكَرتِهِ البَدوُ وَالحَضرُ
وَلا تُنكِريني إِنَّني غَيرُ مُنكِرٍ
إِذا زَلَّتِ الأَقدامُ وَاِستُنزِلَ النَصرُ
وَإِنّي لَجَرّارٌ لِكُلِّ كَتيبَةٍ
مُعَوَّدَةٍ أَن لايُخِلَّ بِها النَصرُ
وَإِنّي لَنَزّالٌ بِكُلِّ مَخوفَةٍ
كَثيرٌ إِلى نُزّالِها النَظَرُ الشَزرُ
فَأَظمَأُ حَتّى تَرتَوي البيضُ وَالقَنا
وَأَسغَبُ حَتّى يَشبَعَ الذِئبُ وَالنَسرُ
وَلا أُصبِحُ الحَيَّ الخَلوفَ بِغارَةٍ
وَلا الجَيشَ مالَم تَأتِهِ قَبلِيَ النُذرُ

وَيارُبَّ دارٍ لَم تَخَفني مَنيعَةٍ
طَلَعتُ عَلَيها بِالرَدى أَنا وَالفَجرُ
وَحَيٍّ رَدَدتُ الخَيلَ حَتّى مَلَكتُهُ
هَزيماً وَرَدَّتني البَراقِعُ وَالخُمرُ
وَساحِبَةِ الأَذيالِ نَحوي لَقيتُها
فَلَم يَلقَها جافي اللِقاءِ وَلا وَعرُ
وَهَبتُ لَها ما حازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ
وَرُحتُ وَلَم يُكشَف لِأَبياتِها سِترُ
وَلا راحَ يُطغيني بِأَثوابِهِ الغِنى
وَلا باتَ يَثنيني عَنِ الكَرَمِ الفَقرُ
وَما حاجَتي بِالمالِ أَبغي وُفورَهُ
إِذا لَم أَفِر عِرضي فَلا وَفَرَ الوَفرُ
أَسِرتُ وَما صَحبي بِعُزلٍ لَدى الوَغى
وَلا فَرَسي مُهرٌ وَلا رَبُّهُ غَمرُ
وَلَكِن إِذا حُمَّ القَضاءُ عَلى اِمرِئٍ
فَلَيسَ لَهُ بَرٌّ يَقيهِ وَلا بَحرُ
وَقالَ أُصَيحابي الفِرارُ أَوِ الرَدى
فَقُلتُ هُما أَمرانِ أَحلاهُما مُرُّ
وَلَكِنَّني أَمضي لِما لايُعيبُني
وَحَسبُكَ مِن أَمرَينِ خَيرَهُما الأَسرُ
يَقولونَ لي بِعتَ السَلامَةَ بِالرَدى
فَقُلتُ أَما وَاللَهِ مانالَني خُسرُ

وَهَل يَتَجافى عَنِّيَ المَوتُ ساعَةً
إِذا ماتَجافى عَنِّيَ الأَسرُ وَالضَرُّ
هُوَ المَوتُ فَاِختَر ماعَلا لَكَ ذِكرُهُ
فَلَم يَمُتِ الإِنسانُ ماحَيِيَ الذِكرُ
وَلا خَيرَ في دَفعِ الرَدى بِمَذَلَّةٍ
كَما رَدَّها يَوماً بِسَوءَتِهِ عَمروُ
يَمُنّونَ أَن خَلّوا ثِيابي وَإِنَّما
عَلَيَّ ثِيابٌ مِن دِمائِهِمُ حُمرُ
وَقائِمُ سَيفٍ فيهِمُ اندَقَّ نَصلُهُ
وَأَعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطَّمُ الصَدرُ
سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم
وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
فَإِن عِشتُ فَالطَعنُ الَّذي يَعرِفونَهُ
وَتِلكَ القَنا وَالبيضُ وَالضُمَّرُ الشُقرُ
وَإِن مُتُّ فَالإِنسانُ لابُدَّ مَيِّتٌ
وَإِن طالَتِ الأَيّامُ وَاِنفَسَحَ العُمرُ
وَلَو سَدَّ غَيري ما سَدَدتُ اِكتَفوا بِهِ
وَما كانَ يَغلو التِبرُ لَو نَفَقَ الصُفرُ
وَنَحنُ أُناسٌ لا تَوَسُّطَ عِندَنا
لَنا الصَدرُ دونَ العالَمينَ أَوِ القَبرُ
تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا
وَمَن خَطَبَ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ
أَعَزُّ بَني الدُنيا وَأَعلى ذَوي العُلا
وَأَكرَمُ مَن فَوقَ التُرابِ وَلا فَخرُ

مختارات من شعره :
1 ) قصيدة أتزعم ياضخم اللغاديد
يقول في مطلعها :

أتزعم يا ضخم اللغاديد أننـــــــا
ونحن أسود الحرب لا نعرف الحربــــا
فويلك من للحرب إن لم نكن لهــــــا
ومن ذا الذي يضحي ويمسي لها تربا
ومن ذا يلف الجيش من جنباتـــــه
ومن ذا يقود الشم أو يصدم القلبا
وويلك من أردى أخاك بمرعـــــش
وجلل ضربا وجه والدك العضبا
وويلك من خلا ابن أختك موثقـــــا
وخلاك باللقان تبتدر الشعبا
أتوعدنا بالحرب حتى كأننــــــا
وإياك لم يعصب بها قلبنا عصبا
لقد جمعتنا الحرب من قبل هــــذه
فكنا بها أسدا وكنت بها كلبا
×××

2 ) قصيدة مصابي جليل

يقول في مطلعها :

مُصَابي جَلِيلٌ، وَالعَزَاءُ جَمِـيلُ،
وَظَنّي بِأنّ الله سَوْفَ يُدِيـــلَ
جِرَاحٌ تحَامَاها الأُسَاة ُ، مَخوفَة ٌ،
وسقمانِ : بادٍ ، منهما ودخـيلُ

وأسرٌ أقاسيهِ ، وليلٌ نجومهُ ،
أرَى كُلّ شَيْءٍ، غَيرَهُنّ، يَزُولُ
تطولُ بي الساعاتُ ، وهي قصيرة ؛
وفي كلِّ دهرٍ لا يسركَ طـــولُ
تَنَاسَانيَ الأصْحَابُ، إلاّ عُصَيْبَة
ستلحقُ بالأخرى ، غداً ، وتحولُ
و من ذا الذي يبقى على العهدِ ؟ إنهمْ ،
و إنْ كثرتْ دعواهمُ ، لقلـــــيل
أقلبُ طرفي لا أرى غيرَ صاحبٍ ،
يميلُ معَ النعماءِ حيثُ تميــلُ
×××

المراجع :

ـ أبو فراس الحمداني : الديوان تحقيق سامي الدهان .
ـ الثعالبي : يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر . الجزء الأول . الصفحة رقم 27 والصفحة رقم 57 .
ـ كامل سلمان الجبوري : معجم الشعراء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002 م . الجزء الثاني . الصفحة رقم 6 .
ـ ابن خلكان : وفيات الأعيان . الصفحة رقم 349 .
ـ بطرس البستاني : أدباء العرب في الأعصر العباسية . الجزء الثاني .
ـ شوقي ضيف : تاريخ الأدب العربي : عصر الدول والإمارات . الشام . الصفحة رقم 223 .
ـ خير الدين الزركلي : الأعلام , الجزء الثاني . الصفحة رقم 155 .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading