الرسالة الأخيرة ( موعود الجزء الثاني)

22 نوفمبر 2024

– بقلم : محمد الجباري 

حين صعدت الطائرة كانت سماء مطار أمستردام رمادية، قاتمة وممطرة جدا جلست بمحاذاة النافذة وصرت أشاهد بعينين شاردتين خطوط المطر على زجاج النافذة، مشهد الطائرة وهي تخترق السحاب المشبع بالمطر وتصعد رويدا رويدا إلى الأعلى كان يثير في نفسي مشاعر فرح طفولي وكأنني أتحرر أخيرا من طقس أوروبا الكئيب نحو الشمس والدفء… بعد فترة قصيرة صرنا نطل على السحاب من فوق وبدت الطائرة تستقبل خيوط شمس تزين سماء زرقاء، فتحت مذكرتي واخذت قلمي وكتبت ” ليس من المألوف أبدا أن تجد نفسك أعلى من الجبال فوق السحاب قريبا من الشمس” توقفت فجأة عن الكتابة وصرت أعيد قراءة ما كتبت المرة تلوى الأخرى، شعرت وكأن هذه الجملة ليست غريبة عني تربطني بها علاقة ما… حاولت أن أقنع نفسي دون جدوى أنني ربما كتبتها في إحدى قصصي أو قرأتها في احدى الكتب أو المجلات لا أعلم؟ حاولت في الأخير أن أنسى الأمر كله واستمتع برحلتي أكثر، لكني كنت أعود من جديد احاول ان اشغِّل عقلي واتذكر… وكلما أعدت قراءة ما كتبت أخذت نبرات القلب تدق بسرعة بينما جبيني صار نديا تعتليه قطرات صغيرة من العرق، فعلمت أن الأمر لا علاقة له بالعقل فجربت أن أفكر هذه المرة بالقلب …فتذكرت!
كان الأمر أشبه ان تفقد ابنتك لفترة طويلة من الزمن فتجدها فجأة تمشي بجانبك على الطريق… الطائرة التي كان من المفروض أن تنقلني من وسط أوروبا إلى شمال أفريقيا خلال ثلاثة ساعات هاهي وفي اقل من نصف ساعة تحيلني إلى زمن غابر من حياتي وتعود بي إلى ماض سحيق، فارتبكت حين تذكرت، حاولت أن أشغل نفسي بالنظر إلى الفضاء الفسيح فأخذت بيدي أمسح الضباب من على زجاج النافذة فصارت عجبا تمر أمامي عينيّ مشاهد من الماضي مر عليها أكثر من ثلاثين سنة من عمري …

على غير العادة لم تخبرني “موعود” حينما تحدثنا آخر مرة عبر الهاتف أنها قد بعثت لي رسالة حتى وجدت ساعي البريد يقف أمام منزلنا ويمنحني ظرفا قادما من تطوان، هناك أشياء يستحسن التعبير عنها بالكتابة عوض الكلام هكذا اعتقدت … رسالتها هذه المرة كانت صغيرة ومختصرة جدا وقالت في سطر واحد أو سطرين ” مجرد وصولك إلى مقر عملك اكتب لي وحاول ان تصف لي المكان جيدا احب ان اشعر وكأني معك …المخلصة موعود”
وصلت الرسالة في نفس يوم سفري إلى الريف في اول تعيين لي في سلك التدريس. وضعت الرسالة داخل الجيب الداخلي لمعطفي و اتجهت صوب المحطة
هدير الطائرة صار يحيلني إلى هدير الحافلة التي كانت تقاوم بإصرار غريب وتصر على الصعود رغم وعورة جبال الريف الشاهقة ، شعور غريب يراودني الآن ولا أستطيع التخلص منه ، أشعر وكأنني في نفس الحافلة التي ركبتها قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن في رحلة نحو المجهول. أتوهم أن عجلات الزمن تدور إلى الوراء، واني مازلت في رحلة السفر الأولى، يا للغرابة! وجدتني من غير وعي مني أبحث عن رسالة موعود داخل جيب معطفي فلم أجدها… وارتبكت اكثر.
بعد ليلة من السفر وصلنا في الصباح الباكر إلى الحسيمة ، بمشقة اقتنع سائق سيارة أجرة على توصيلي إلى قرية “اقشوعن” في قمة الجبل… طوال ساعتين ونصف من الطريق كانت السيارة في صعود دائم إلى أعلى دون منحدر حتى بدت لي القرية من بعيد وسط أشجار اللوز والزيتون وجدتني امسح بيدي على زجاج النافذة لكي أزيح الضباب واكتشف المكان أكثر فهالني منظر السحاب وقد استقر أسفل الجبل… لم اتأخر في مراسلة موعود وكتبت ” … ليس من المألوف أبدا أن تجد نفسك أعلى من الجبال فوق السحاب قريبا من الشمس…”
بقدر ما كانت “اقشوعن” هذه القرية الصغيرة ضيقة وكئيبة وتقع بين صخرتين كبيرتين كانت رسائل موعود عالما فسيحا لا حدود له من الحب والأشواق ومن خلال رسائلها أحببت قصائد نزار قباني وعبقرية وليام شكسبير ورقة فيكتور هوغو ورسائل مي زيادة تتبادلها مع الأديب جبران خليل جبران… في المساء حينما كان صديقي سعيد الذي اقتسم معه نفس الغرفة يستعين بشمعة لكي يصحح على نورها فروض التلاميذ كنت أفتح رسالة موعود فتشرق الشمس على القرية في عز عتمة الليل… كانت موعود الدفء ساعة الصقيع والبرد، الارتواء زمن العطش، الأمان لحظة الخوف…موعود البسمة رغم عبوس الأيام.
بينما كنت ذات صباح في الفصل وصلتني رسالة من موعود وكيس بداخله كشكول من حلويات زفاف شقيقتها الكبرى، حين فرغت من قراءة الرسالة كان التلاميذ قد فرغوا ايضاً من ازدراد والتهام الحلويات، استغربت حين وجدت مذاق حلوة الجوز واللوز والزنجلان في فمي…و بعد مرور كل هذا الزمن مازالت كلما تذكرت هذا الصباح إلا وارتفع معدل السكر في الدم ونكهة لذيذة من حلويات موعود التي لم أتذوقها قط!
في عامي الثاني بالريف وبعد عطلة نهاية السنة قضيتها مع العائلة عدت من جديد وفي نفس الحافلة اتجاه الحسيمة وقد حملت معي ككل مرة بعض الكتب والجرائد، نظرا لسوء أحوال الجو لم أعثر على أي وسيلة نقل يمكن أن تنقلني إلى اقشوعن، من يغامر أن يصعد الجبل زمن الثلج؟ طال بي الوقوف والانتظار عند سفح الجبل فإذا بسيارة قديمة ومتهالكة تقف بالقرب مني، يخرج السائق رأسه من النافذة ويعرض علي الصعود، لم أفكر كثيرا فحين تغلق عليك الأبواب تعتقد أنه بالإمكان أن تصنع من خرم الجدار بابا ، وجدت شابا يافعا قد يكون في بداية العقد الثالث من عمره بجانبه شاب آخر يصغره قليلا كانا يتحدثان الأمازيغية ويدخنان بشراهة و يضحكان كثيرا شعرت أنني اختلف عنهما في كل شيء وليس هناك حديث أو اهتمام مشترك قد يوحدنا فآثرت الصمت … تراه الصمت الذي يسبق العاصفة!
سمعت فجأة صراخ السائق يخاطب زميله بغضب وانفعال ” علينا أن لا نتوقف، أكيد أن وشاية وصلت الشرطة، من المستحيل أن تنصب الشرطة حاجزا أثناء هذا الطقس وسط هذا الجبل المهجور أنهم يترصدون قدومنا ” حينما نظرت الى الزجاجة الأمامية بدت لي سيارة جيب وبعض أفراد رجال الدرك يأمرون السائق بالتوقف… لكنه عوض الامتثال لم يلتفت إليهم وظل ينظر إلى الأمام ثم ضغط على دواسة الوقود وانطلقنا بسرعة أكبر، حين التفت إلى الخلف رأيت جيب رجال الدرك يتعقبنا في مطاردة غير متكافئة فالحالة الميكانيكية للسيارة سيئة جدا حتى أنها صارت تهتز بقوة وتميل يمينا ويسارا فيخيل إليك أنها على وشك التفكك إلى أجزاء وتصير مثل الأحجار الصغيرة تتفتت من أعلى الجبل و تسقط اتجاه المنحدر نحو الأسفل…

عزيزتي موعود لا ادري هل كان علي أن أخبرك بكل هذه التفاصيل البئيسة؟ … بقدر ما كان الصمت هو خياري المفضل وأنا في السيارة بقدر ما أجده الآن صعبا ومستحيلا ، ألم تخبريني أكثر من مرة أنني في كل ليلة آتيك في المنام لكي احكي لك تفاصيل يومي ؟ أليس من الأفضل أن تسمعي مني انا عوض طيفي الذي قد لا يبوح لك بكل ما في نفسي؟
تارة تكمن القوة في أكثر الأماكن ظلمة وبؤسا وضعفًا بداخلنا، ولم يكن من شيء أكثر بؤسا عند عبدو السائق الحياة نفسها … لم يكن يملك في الدنيا إلا هذه السيارة المهترئة يحمل عليها بضاعة ممنوعة لفائدة شخصيات نافذة مقابل فتات يرمى له بعد كل رحلة …. عندما تكون الحياة رخيصة وبهذا البؤس يهون المغامرة بها والانطلاق بسرعة مجنونة في منعرجات جبال الريف الخطيرة وهذا ما جعل عبدو يربح الكثير من الأمتار مبتعدا عن سيارة الدرك، كان وضعي ملتبسا جدا لم اكن ادري هل أنا مطارد ايضا ؟ وماذا لو تم اعتقالنا وأصر عبدو وصاحبه اني شريكهما لكي نقتسم معا نحن الثلاثة العقوبة بدل أن تقسّم على اثنين فقط؟ من المحزن جدا ان اجد نفسي مضطرا إلى الترافع من أجل براءتي أمام هيئة المحكمة ، عبدو السائق الذي كان قبل قليل غريبا عني ولا تربطني به أي صلة وآثرت الصمت لكي أتحاشى الحديث معه، ها أنا الآن ومن دون وعي مني بات أمره يهمني كثيرا واتمنى من كل جوارحي أن يتمكن من الهرب ومغالطة سيارة الدرك ، صارت تربطني به آصرة تشبه إلى حد ما آصرة العرق والدم إنها آصرة ” الطريق، ووحدة المصير”!
لم اكن أتخيل ان المغامرة والتهور سوف يقودان عبدو إلى فكرة مجنونة فعندما وصلنا إلى أعلى الجبل كان المشهد مرعبا حقا؛ صرنا وكأننا في قلب السحاب، الضباب يلف المكان والرذاذ يتناثر برفق دون توقف بينما الرؤية شحيحة جدا وتكاد تكون مستحيلة وفي هذه اللحظة بالذات عمد عبدو أن يطفئ أنوار السيارة حتى تختفي تماما وسط الغيوم، شعرت انه صار فاقد البصر يعتمد فقط على حدسه وتخيله لخريطة ومنعرجات الطريق التي خبرها منذ سنين… قال عبدو مخاطبا صاحبه: “ظننت أنهم لن يستمروا كثيرا في مطاردتنا… دعهم الآن يتعقبون السراب” … الفكرة التي كان يتبناها عبدو لم تكن تقبل القسمة على اكثر من احتمالين: إما النجاة وهو احتمال ضئيل جدا أو الموت والسقوط من السماء إلى الأرض … موعود، دعني أستعير جملة قالها الروائي الفيلسوف دوستويفسكي ” لو أنني أعرف كلمة اعمق من كلمة انطفأتُ لقلتها، أنا لم أشعر من قبل بانطفاء روحي مثلما أشعر بها الآن” … بت انتظر الموت عند كل صعود او هبوط او منعرج وهل يمكن أن انتظر شيئا آخر غير ذلك؟ خصوصا ان كان هيكل السيارة والمحرك والفرامل والعجلات تميل إلى التفكك في أي لحظة بينما السائق رجل اعمى؟
أي ذكرى سيئة سوف ترافقني إلى عالمي الآخر حين تنشر الجرائد خبر العثور عند سفح الجبل على ثلاث جثث لعصابة في تهريب المخدرات الصلبة، مع الأسف الأموات لا يملكون ترف العودة ولا يملكون فرصة الدفاع عن أنفسهم، والحقيقة تدفن ايضًا رفقة الجثث… ما أتعس رجلا مثلي يخجل من موته… كيف لأمي أن تتحمل خبر موتي وظروفه المشبوهة؟ بت أشفق عليها من سماع وشوشة المعزين عن ابنها سيئ السمعة واخجل من دمعها وتمنيت حينها ان يطيل الله في عمري إكراما لها وصليت من أجل ذلك…” أعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي!” موعود، ألم تكن قصيدة محمود درويش أغنيتنا المفضلة؟… لم تعد مجرد أغنية صارت ترنيمة ينشدها أطفال في قداس الكنيسة عن الظلم الذي لحق السيدة مريم وابنها المسيح عليهما السلام…
حصل ما لم يكن في الحسبان، توقفت السيارة فجأة والتفت عبدو نحوي وقال في عجلة ” مدرستك هناك في الجانب الآخر… انزل بسرعة ” لم أتبين المكان بصورة واضحة كان يلفه ضباب كثيف وحين صارت أسوار المدرسة تبدو بوضوح أكثر كانت السيارة قد اختفت وسط زحمة الغيوم والضباب …
في الصباح من اليوم الموالي منحت التلاميذ عطلة للعب وقال أحدهم مستفسرا :” أي عيد من الأعياد نحتفل اليوم؟”، قلت مبتسما: ” عيد ميلادي الثاني” … موعود، كل العمر الذي سوف أعيشه بعد اليوم هو فقط منحة إضافية من القدر، اعتقد ان عمري الافتراضي قد توقف يوم أمس… كنت هذا الصباح فرحا جدا وعلق صديقي سعيد: ” تبدو سعيدا اليوم”، قلت: “القادمون من الموت هم أكثر الناس احتفاء بالحياة”…وداعا موعود.

حقيقة أنني نجوت من حادثة مميتة ذلك اليوم لكنها كانت قد قتلت أشياء ما في داخلي لم استطع ان احددها بالضبط… ساءت نفسيتي كثيرا وصرت أعشق الصعود إلى صخرة في قمة الجبل أتفرج من هناك على البحر واشاهد رحلة الطيور المهاجرة نحو الضفة الأخرى … شعرتْ موعود بذلك وكتبت في رسالتها ما قبل الأخيرة ” … خايفة طيور الحب تهجر عشها … وترحل بعيد…”
رجاءً موعود، كيف علمت بقرار رحيلي الذي أخفيته عنك؟ أي قدرة لك على قراءة ما يجول في خاطري، أم تراه طيفي الذي يزورك كل ليلة يخبرك بأدق التفاصيل؟ … لماذا لم يخبرك إذن بأن رحلتي أضحت وشيكة وانتظر على أحر من الجمر رسالة منك… إلى غاية صبيحة مغادرتي كنت ما أزال أطمع في أن أتوصل برسالتك الأخيرة… لكنها لم تأت.
حاولت أن أنسى مع توالي العمر والسنين لكني لم افلح، الأشياء التي نود نسيانها هي من تبقى عالقة في الذاكرة أكثر… أليس غريبا أن أهمل كل دفاتري وأوراقي المكدسة فوق مكتبي وأظلّ معلقا بوهم رسالة أخيرة غير موجودة أصلا؟

كنت قد وصلت للتو إلى مقر عملي بامسفورد ، حين وصلني فجأة طلب صداقة عبر تطبيق الفيسبوك من صديقي سعيد الذي اقتسمت معه قبل أكثر من ثلاثة عقود غرفة في اقشوعن… شعر زملائي بالتغيير الطارئ الذي بدا جليا على تعابير وجهي، تحدثت مع سعيد سريعا والفرحة تغمرنا واتفقنا أن نكمل حديثنا مساء هذا اليوم، لكنه قبل أن يرحل رمى قنبلة ومضى!
أخبرني على عجل أنه في اليوم الموالي من مغادرتي اقشوعن حمل ساعي البريد رسالة من موعد وضعها المدير ضمن الأرشيف في دولاب يوجد داخل الإدارة…
انتظرت المساء بفارغ من الصبر كانت تغمرني مشاعر لم أخبرها من قبل مزيج من الفرح والخوف والترقب فحديثنا هذا المساء سوف يقودنا لا محالة إلى رسالة موعود الأخيرة…في منطق الحساب تُرى كم من نسبة مئوية صغيرة جدا ان تكون الرسالة ما زالت ضمن الأرشيف؟ تلك النسبة الصغيرة جدا تكفي لإحياء ذكرى سنين بأكملها… ماذا لو ركبت الطائرة نهاية هذا الأسبوع اتجاه مطار الحسيمة هناك سوف اجد سيارة كراء تنتظرني أكون قد استأجرتها سلفا وفي اقل من ساعتين أصل إلى قرية اقشوعن، لا أعتقد أن إدارة المدرسة سوف تفرط في أرشيفها كما اني لن أفرط أبدا في قطعة من قلبي ظلت عالقة هناك … كان الأمر بالنسبة إليّ أشبه بالفيلم الرائع ” الملجأ” حينما قرر البطل رغم مرضه وفقره ان يسافر آلاف الأمتار ويتسلق الجبال ويركب البحر لمجرد أنه رأى في المنام ابنه الرضيع الذي افتقده زمن الحرب يقبع في أحد الملاجئ البعيدة بالهند والغريب أن يجد طفله في الملجأ… ثمة أمور يستحسن أن لا تخضع لمنطق الحساب والمنطق!

آه صديقي سعيد ما أجمل هذا الاختراع ، لقد صار متاحا أن أشاهدك عبر شاشة هاتفي الصغير وكأنك بجانبي هل تدري أنك لم تتغير كثيرا رغم السنين…
وأنت ايضاً صديقي العزيز… بعد رحيلك لم أمكث في اقشوعن إلا شهرين وتحصلت على قرار الانتقال بعد أن حلت الكارثة بالمدرسة، استيقظنا ذات ليلة باردة جدا على مشهد مهول، كانت ألسنة اللهب تتراقص بجنون ومكر تلتهم الحيطان والأقسام والأسقف والكراريس والأوراق…صارت المدرسة تنهار أمام أعيننا على صوت أزير النار، ولم يبق من المدرسة عند الفجر سوى رماد بارد … قالت تحريات الشرطة أن مهربي الحشيش دخلوا المدرسة ليلا، أضرموا النار من أجل التدفئة والنوم وحين انسحبوا اشتعلت النيران.

عاد عبدو ربما ليكفر عن خطيئته حين منحني فرصة الحياة ذات ليلة… رسالة موعود الأخيرة التي انتهت بفعل النار إلى رماد خفيف سرعان ما حمله نسيم البحر وسافر به نحو الضفة الأخرى، رماد رسالة موعود تحول إلى بَذرة استقرت في باطن القلب ما لبثت أن أينعت شجرة لا تذبل في الذاكرة …

صرت أشاهد مدينة طنجة من نافذة الطائرة وبينما كنت أضع حزام السلامة باغتتني فكرة مثيرة للدهشة، لم أستطع التخلص منها، وحين ولجت منزلنا العتيق كنت قد عزمت الصعود إلى غرفة المتلاشيات ذلك الركن المهمل جوار السطح هناك محفظة قديمة -رفيقة الأسرار- أحتفظ داخلها برزمة من رسائل موعود أخفيتها سنين طويلة، أعتقد أنه قد حان الوقت لهذه الرسائل أن تخرج إلى النور والناس … رسائل موعود يليق بها النور بدل الظلمة، الهواء والحرية بدل الاختناق والأسر … سيكون الأمر رائعا حقا حينما يكون كتابي القادم بعنوان ” رسائل موعود” وربما أجمل وأرق ما فيه الجزء الأخير أو رسالتها الأخيرة ؛ وهي عبارة عن أوراق عديدة بيضاء ناصعة لم يخطها حبر أو يمسها مداد…
أعظم الرسائل تلك التي لم تُكتب!!

هولندا محمد الجباري 22/11/2024

 

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading