القصر الكبير : المدينة التي نسيتها مشاريع التنمية وبعض أبنائها ..

7 نوفمبر 2024
Oplus_0

بقلم : ذ . محمد العربي الجباري

عندما نتحدث عن القصر الكبير، فإننا نستحضر تاريخا عريقا وإسهامات لا تنكر في تشكيل الهوية الحضارية للمغرب. لكن للأسف، نجد أن هذه المدينة، التي كانت يومًا منارة ثقافية وتاريخية، تعاني اليوم من الإهمال والتهميش. واقعها الحالي لا يعكس حجم إرثها الغني، ولا مستوى مساهماتها في التاريخ المغربي المجيد.

كابن لهذه المدينة العريقة والمظلومة، أجد من واجبي أن أساهم في تسليط الضوء على خبايا وأسباب تراجع القصر الكبير، وأدعو جميع أبنائها، أينما كانوا، إلى تقديم أفكارهم واقتراحاتهم للنهوض بها. ربما تكون فكرة بسيطة أو اقتراح جريء هو الشرارة التي تحتاجها المدينة لفتح آفاق جديدة نحو مستقبل أفضل. المساهمة الفاعلة في تحسين وضع مدينتنا ليست مجرد واجب، بل هي مسؤولية جماعية. الجلوس مكتوفي الأيدي والاكتفاء بالانتقاد السلبي هو خذلان مضاعف لها. علينا أن نتجاوز السلبية والخمول، ونترك النزاعات والخصومات جانبًا، لنتحد جميعًا من أجل إعادة القصر الكبير إلى مكانتها المستحقة، كمدينة نابضة بالحياة والثقافة والتاريخ.

في زيارتي الأخيرة إلى القصر الكبير، وبينما كنت أهيم في شوارعها وأزقتها، شعرت بالحزن والأسى لما آلت إليه أوضاع هذه المدينة الأبية المجاهدة. هشاشة البنية التحتية وتدهور المرافق العامة كانا جليين، مما أثار في نفسي تساؤلات حول مصير المدينة ومستقبلها.

لقد واتت – كما هو معلوم – بعض أبناء المدينة فرص ثمينة عندما وصلوا إلى مناصب مهمة في شتى المجالات، حيث أتيحت لهم الفرصة للتغلغل داخل دواليب الدولة، وكان بإمكانهم تصحيح أوضاع مدينتهم وجعلها في قلب مخططات التنمية. لكن مع الأسف، خذلوها وخيبوا آمالها. تنكروا لمدينتهم وكأنها ليست جزءًا من هويتهم، حتى أن البعض منهم لا يرضى بالانتساب إليها، مما أدى إلى ضياع فرص ثمينة كان من شأنها أن تنهض بالقصر الكبير.

الحاجة إلى خلية أزمة ومشاريع تنموية
وفي ظل هذا الواقع المؤلم، أصبح من الملح والضروري، بل وبصفة مستعجلة، أصبح من الضروري تشكيل مجلس استشاري محلي يضم في صفوفه نخبة من أبناء المدينة المخلصين، سواء من المقيمين بها أو من أبناء الجالية القصرية المقيمين بالخارج. هذا المجلس يمكن أن يعمل على تشخيص الأوضاع بدقة، وتحديد مكامن الخلل، ومن ثم تقديم اقتراحات بناءة وخطط استراتيجية مدروسة للنهوض بالمدينة.” من الضروري أن تكون هذا المجلس الاساشاري فاعل وملتزم، لا يهدف إلى الظهور الإعلامي أو الاجتماعات الشكلية، بل يجب أن يركز على التغيير الحقيقي، بمشاركة كافة الأطراف من مسؤولين محليين، فعاليات المجتمع المدني، خبراء اقتصاديين، وممثلي المهن، بهدف اقتراح استراتيجية محكمة أو خطة مستنيرة تقود المدينة نحو مستقبل أفضل.

ترقية القصر الكبير إلى عمالة

واحدة من الأولويات الملحة هي المطالبة بترقية مدينة القصر الكبير إلى عمالة، فهي تستوفي جميع الشروط اللازمة لذلك. حيث أن عدد سكانها يربو على 150 ألف نسمة، ومن المتوقع أن يؤكد الإحصاء العام للسكان والسكنى الجاري حاليًا هذا العدد. من غير المعقول أن تكون مدينة بهذه الكثافة السكانية ولا تحظى بتنظيم إداري يليق بحجمها، سواء من حيث التأطير الأمني أو الاقتصادي والاجتماعي.

فالقصر الكبير تتوفر على مؤهلات طبيعية وفلاحية عديدة، منها سهول شاسعة، ووديان، وسد كبير، وقنوات للسقي، بالإضافة إلى موارد بشرية يمكن استثمارها بفعالية لتطوير المدينة في مسار اقتصادي واجتماعي مزدهر. هذه العوامل مجتمعة تجعل من ترقية المدينة إلى عمالة خطوة ضرورية لتعزيز قدراتها وتحقيق تنمية شاملة.

مشاريع صناعية وغذائية

يجب العمل على إنشاء نواة لصناعة غذائية تستفيد من الثروات الفلاحية التي تتميز بها القصر الكبير، مثل الحوامض، وتوت الأرض، والفواكه الحمراء، وغيرها من الغلال التي يمكن استخدامها في إنتاج العصائر والمربيات والمصنعات الأخرى. هذه الصناعة ستعزز الاقتصاد المحلي، وتخلق فرص عمل جديدة، وتسهم في تقليل البطالة.

كما أن تطوير الصناعة الجلدية، التي تعد من التقاليد الحرفية العريقة منذ العصور الوسطى، يجب أن يكون من الأولويات. فقد كانت القصر الكبير مشهورة بمنتجاتها الجلدية التي كانت تصدر إلى أوروبا بفضل جودتها وسمعتها الطيبة. إن إحياء هذا التراث وتحديثه يمكن أن يسهم في استعادة المدينة لمكانتها ضمن الصناعات التقليدية المرموقة.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي إنقاذ صناعة النسيج التقليدي وصناعة الجلابيب الصوفية، التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من التراث المحلي. هذه الصناعات تحتاج إلى اهتمام ودعم، بعيدًا عن الطابع الاحتفالي أو المناسباتي، لكي تزدهر من جديد.

البنية التحتية الثقافية والرياضية

من الضروري أيضًا إنشاء متحف لمعركة وادي المخازن، يحتوي على المأثورات المادية والمكتوبة التي تؤرخ لهذه المعركة الخالدة. سيساهم هذا المشروع في تعزيز السياحة الثقافية بالمدينة، ويعيد لها إشعاعها التاريخي.

في المجال الرياضي، هناك حاجة ماسة لتوسيع نطاق الاستفادة من المنشآت الرياضية الحالية، وإنشاء المزيد من ملاعب القرب في الأحياء البعيدة. كما يجب بناء مسبح بلدي كبير على ضفاف وادي اللوكوس، مستفيدًا من تدفقات سد وادي المخازن، والذي سيكون خطوة طموحة لتحسين البنية التحتية الرياضية في المدينة.

مشاريع سياحية وطموحات بيئية

من بين الأفكار الطموحة التي يمكن أن تسهم في إحياء مدينة القصر الكبير إنشاء بحيرة اصطناعية في منطقة عين عبيد على طريق العرائش. هذه البحيرة يمكن أن تكون نواة لمجموعة من المشاريع السياحية التي تستفيد من المساحات الخضراء الواسعة والمناخ المعتدل.

التأطير الإعلامي: ضرورة لإحياء التراث ومواكبة مشروع النهوض بالمدينة

ولأجل التوعية بهذا المشروع النهضوي ومواكبته وتعزيزه، لابد من تأطير إعلامي فعال يتابع عن كثب كل مستجدات قرارات خلية الأزمة ويعمل على إشراك الساكنة في هذا المسار التنموي. إن إنشاء إذاعة محلية أو قناة إلكترونية مخصصة للمدينة يمكن أن يكون منصة لعرض كل ما يتعلق بمشروع النهوض بالقصر الكبير الطموح، من مبادرات وخطوات ملموسة إلى تسليط الضوء على تاريخها الثقافي والاجتماعي.

ليس الإعلام وحده هو الغاية، بل يجب أن يكون وسيلة لتحفيز التغيير وتحقيق الوعي الجماعي. فالشباب القروي يجب أن يكون جزءا من عملية النهوض هذه، بالمشاركة الفعلية في الفعاليات والأنشطة التي تنظمها الخلية.

وباختصار، فإن التأطير الإعلامي، سواء عبر إذاعة أو قناة محلية، إلى جانب برامج تعليمية مستدامة، سيضمن استمرارية مشروع النهوض بالمدينة، ويفتح آفاقًا جديدة للتواصل والتعاون بين جميع أطياف المجتمع.

النية الصادقة والإرادة القوية

أفكار هذه المشاريع ليست حلما بعيد المنال. يمكن تحقيقها إذا ما توفرت النية الصادقة والإرادة القوية. العبرة تكمن في الالتزام والعمل الجاد، فليس هناك ما يمنع مدينة عريقة كالقصر الكبير من أن تستعيد إشعاعها ومكانتها عبر مخططات تنموية مدروسة ومشاريع طموحة.

وعلى حد قول المغني الانجليزي الاسطورة جون لينون في اغنيته الساحرة imagine:

قد تقولون انني حالم
لكنني لست الوحيد
آمل أن تنضموا إلينا يومًا ما
ويصبح العالم واحدًا.

You may say I’m a dreamer
But I’m not the only one
I hope someday you’ll join us
And the world will live as one

القصر الكبير تستغيث، فهل من مجيب؟

 

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading