بقلم ذة مليكة حميحم
أصبحت مهووسة بأخد الصور وترتيبها والاحتفاظ بها، منها ما أضعه في ألبوم خاص ومنها ما أضعه في إطارات جميلة، أزين بها جدران الغرف وأتملى بها كل يوم، وهذا الهوس ليس حديث العهد بل هو قديم قدم إحساسي بكياني، وكل ما يدور في فلك حياتي.
و أنا أنظر في عيون أمي الرماديتين الجميلتين واضعة يدي بين يديها الدافئتين ، أرجع بالسنوات الى الوراء وكأني جالسة في إحدى جلسات الطب النفسي أغوص في أغوار عيونها الجدلى دوما ، وأعود بها إلى منزلنا القديم بسيدي الرايس الذي ما زال شاهداً على طفولتنا وشبابنا ومازال محجا للأحفاد قبل الأبناء.
أدخل غرفة أبي الكبيرة ذات السرير ذو الإطار الفضي الجميل، والستار الحريري المسمى بالبهجة الذي يقسم الغرفة إلى نصفين ، على رأس السرير صورة كبيرة للمغفور له محمد الخامس بلباسه العسكري وهي صورة نادرة كنت أحبها لأن غالبا مانرى صور الراحل الملك محمد الخامس بالجلباب والطربوش المغربي الأصيل ، وكانت هذه الصورة أكبر صورة في البيت إطارها 70 ستم على 70 سنتم ، في الجهة الثانية من الغرفة تتوسط الحائط صورة الراحل الملك الحسن الثاني رئيس القوات المسلحة الملكية بلباسه العسكري وهو يؤدي تحية العلم وقد كانت صورة مميزة جدا ، بحثت بقلبي وخيالي عن صور الصالة الوسطى بالبيت فتتألق في ذهني الصورة الزيتية الجميلة ، صورة الملك محمد الخامس وهو على كرسي العرش و على يمينه ولي عهده الحسن الثاني وعلى يساره مولاي عبدالله وتحف به الأميرات الجليلات من كل الجوانب ، وقبالتها بالضبط صورة الملك الحسن الثاني يمتطي جواده بلباسه المغربي الأصيل في حفل الولاء ، وفي المقعد أو البرطال باللهجة القصراوية القحة ، وهو عبارة عن ركن صغير من البيت ، توجد صورة للأمراء الأميرات: سيدي محمد مولاي رشيد الأميرات الجليلات لالا مريم لالاحسناء ولالا أسماء ،كانت كل جدران منزلنا تتزين بلوحات الأسرة الملكية الشريفة .
وأتذكر يوم تشطيب المنزل استعدادا للمناسبات، كان أبي يعطي عناية بالغة في إنزال الصور من الجدران من أجل تنظيفها بكل عناية واحترام وإرجاعها إلى مكانها، و في بعض الأحيان يقوم بعملية طلاء الإطارات بنفسه ، ولا يستطيع اي أحد أن يناقش في تغيير أي مكان لأي صورة ، فقد أصبحت اللوحات طابعا خاصا للبيت ومن سكانه الأصليين ، و من الطرائف التي اتذكرها ان إحدى صديقاتي ونحن في الابتدائي سألتني عن أصحاب هذه الصور وهل هم من العاءلة ، وبالفعل كانوا منا وإلينا وحبهم كبر معنا.
لم يكن في ذلك الوقت تليفزيون و كنا نعرف العاءلة الملكية من خلال المجلات التي كان أبي يحضرها معه و هي مجلات القوات المسلحة الملكية و تضم جميع انشطة القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية وانشطة الأمراء والأميرات ومواضيع وطنية ودولية.
لازلت أتذكر يوما مشهودا في حیاتی حيث استهوتني صورة جميلة تخص الأميرة للا مریم فأخدت قلما أسودا وكحلت مقلتيها و قد كان قصدي ان أزينها، وبعدها تركت المجلة وانشغلت في اهتمامات اخرى ، ومرت الأيام ومرة كان أبي جالسا يتصفح المجلة المعلومة، فإذا به يرى صورة الأميرة وقد غطى اللون الأسود عينيها، فقامت القيامة بالمنزل و أزبد أبي وأرعد ، و كان غضبه شديدا و يريد صاحب الفعلة حالا ، وطبعا اعترفت بسهولة ولم تنجني من غضبة أبي، إلا أمي التي تشبتت بها بكل قوة ومع ذلك أخدت ” علقة” لم أنسها إلى يومنا هذا ….
أختزن في ذاكرتي ذكريات جميلة من طفولة رائعة تربيت فيها على حب الوطن ومقدساته، وأظنني عرفت وأنا استرجع ذكرياتي سبب هوسي بالصورة !!!!!
سألت احدى صديقاتي إن كانت تتذكر منزلنا والصور التي كانت من معالمه الأساسية ، أجابتني وكلها حنين واشتياق لذاك الزمن وذاك المكان بأن هذه الصور كانت تحدث لها ثورة فكرية في عقلها الصغير آنذاك لأن جدران منزلهم كانت تزينه صورا مختلفة تماما عن صور منزلنا ، فقد كانت لديهم صورة كبيرة لجمال عبد الناصر في وسط المنزل وصورة لياسر عرفات وصورة لتشي غفارا ، ومن تم كانت تتسائل دوما عن اختلاف الصور والأفكار رغم ان منزلهم لا يبعد عنا الا بعشرات الأمتار ، و مع ذلك لم يكن ذلك الاختلاف يفسد للتجاور و الود قضية !!
يوميا وأنا أحادث أمي وأمثل بين حضرتها فأتأمل نظراتها الحالمة وأقرأ مجلدات أمثالها العزيرة وقوافيها ، التي كانت تستوقف كل من رآها و أستحضر أحسن مثل لها :
. دوام الحال من المحال
. ابني وعلي و سير وخلي
– اخدم يا التاعس للناعس
رحم الله أبي ورحم الله أمي و جعلهما من ورثة النعيم .