
ذ . ادريس حيدر :
إلى كل الزملاء المحامين في ربوع الوطن أهديكم على هامش الإضراب الذي نخوضه جميعا، هذه الدردشة ذات الرسائل القوية و العميقة .
دردشة مع محامي شاب .
منذ أن التحق الزميل الشاب بمهنة ” المحاماة ” ، ترك لدي انطباعاً إيجابيا .
كان يحضر إلى المحكمة بلباس نظيف و أنيق ، و بمظهر لائق ، و يتحرك في ردهات المحكمة بجدية و ديناميكية عالية لا تخطئها العين و دائما مبتسما و محييا زملائه و الموظفين .
مهذب ، وديع ، ذو نظرات ثاقبة تعكس فطنته و ذكاءه .
كان يرتدي بذلته السوداء و تلف ذراعه الأيمن شارة حمراء تعلن غضب المحامين و استياءهم .
سألته :
” هل تعجبك مهنة المحاماة ؟ و هل أتيت لها اضطرارا أم اختيارا ؟” .
أجابني بهدوء و الابتسامة تعلو محياه ؛
” منذ أن كنتُ طفلا ، و أنا أعشق هذه المهنة ، في البداية أثارتني جبة المحامي و تمنيتُ ارتداءها ذات يوم ، و مع مرور الوقت و بداية قراءاتي المتعددة ، تيقنتُ أن مهنة المحاماة نبيلة ، و أنها رقم هام و صعب في معادلة العدالة . و بالتالي فولوجي فيها كان اختيارا و عن قناعة ، بل لازلتُ أحلم بأن أضطلع برسالة المحاماة الخالدة ، و أن أساهم في حدود إمكانياتي بالدفاع عن المظلومين و إعلاء كلمة الحق و تحقيق العدل ، و لازالت هذه الرغبات تسكنني “.
سألته ثانية :
” ماذا تعلمتَ من مهنة المحاماة ، خلال الفترة التي قضيتها في حضنها ؟” .
قال :
” لقد علمتني هذه المهنة ، ما لم أكن أعلم ، و لقنتني دروسا في التمسك بالقيم الفضلى ك:
– الاختلاف الرحيم .
– الدفاع عن الحق بشراسة .
– احترام الغير .
– العمل على التكوين المتين .
الدفاع و صيانة حقوق الإنسان حسب الميثاق العالمي لحقوق الإنسان .
و بالتالي أدركتُ أن المحامين ليسوا بمستخدمين أو أجراء ، بل رُسُلَ سلام و محبة و عدل “.
انتابتني مشاعر الغبطة و الإعجاب ، لما ينثره هذا الزميل الشاب من ذرر غالية .
توجهتُ إليه ثانية ، إمعانا مني في اختبار قدرته على فهم أسباب الإضراب اللامحدود الذي دعت إليه :” جمعية هيآت المحامين بالمغرب ” و الذي سيبدأ يوم ؛ 01|11|2024 ، و سألته من جديد :
“هل فهمتَ دواعي الإضراب ؟ و هل أنت متفق مع قرار الجمعية المذكور ؟”.
ورد قائلا :
” أجل ، إن هناك محاولات كثيرة و واضحة مع إصرار من طرف الجهات الحاكمة من أجل استهداف المكانة الاعتبارية لمهنة ” المحاماة ” كفاعل رئيسي في تنزيل مفاهيم العدالة في الدولة الديمقراطية و محاولة ضرب أسس رسالتها الكونية .
ثم إنها محاولة من أجل الاستمرار في فرض أفكار أحادية الجانب في إطار رؤية إصلاحية ضيقة ترمي إلى حل مشاكل العدالة على حساب مكتسبات المتقاضين و المهنيين بشكل يكرس التمييز بين المواطنين ، و يضرب في العمق الحق في التقاضي و مبدأ الولوج المستنير إلى العدالة ، في الوقت الذي كان يقتضي الأمر حلول شاملة تنبني على مبدأ التشاركية و مراعاة مصالح الأطراف و تحمل المسؤولية في تدبير القطاع ، و من تم صح القول في هذا السياق ، و ارتباطاً بهذا الإضراب ، إن القضية قضية وجود ، فإما أن نكون أو لا نكون “.
أُعْجِبْتُ كثيرا بتحليل زميلي المحامي الشاب ، و قراءته العميقة لخلفيات و مرامي هذا القرار الغير المسبوق في تاريخ هذه المهنة بالمغرب .
ربثتُ على كتفه ، و غمرني من جديد شعور خاص ، و أدركتُ أن مهنة ” المحاماة ” بأيادي أمينة و لا خوف عليها و على مصيرها ، و أن الخلف
سيتسلم مشعل النور من السلف لإتمام المسيرة و تحقيق أهداف هذه المهنة الشريفة .،