
ذ. ادريس حيدر :
عرفتهُ ونحن بعدُ أطفال في الأقسام الأولى من التعليم الإبتدائي .
كان يبدو لي طفلا عاديا ، نحيلا و عنيدا ، فيما ملامحه لم تكن تترك أي انطباع لدى الغير .
في المرحلة الإعدادية ، اقتربتُ منه ، لأكتشف أن الفتى تغير بشكل كلي .
أصبح متين التكوين ، مستوعبا لبعض المتغيرات الثقافية و الفكرية ، التي سادت في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية ، و ازداد اطلاعه عند اقترابه من اجتيازه لامتحانات ” الباكلوريا “.
دافع عن الفكر الوجودي السائد أنذاك ، و عن رواده ك: ” جان بول سارتر ” ، ” سيمون دي بوفوار “، و ” ألبير كامي”… و غيرهم .
و كان و هو لازال في مقتبل العمر ، يُمْعِنُ في إحراج بعض ” المحافظين ” من الطلبة و آخرين من مختلف المشارب الفكرية و المواقع الاجتماعية ، و ذلك عند مناقشة المواضيع و الإشكالات ذات الخلفيات الدينية ، حيث كان أغلبهم يعجز عن مقارعته ، لأنه كان يشحن و يدعم وجهات نظره بكثير من المنطق و العقلانية و بغير قليل من الإحالات من مقولات و أفكار لكبار الفلاسفة .
و في وقت لاحق ، أعلن اعتناقه للمذهب الشيوعي ، و آمن من خلاله بأن الصراع الطبقي سيُفضي بشكل حتمي إلى انتصار الطبقة العمالية ( البروليتاريا ) في صراعها الأبدي ضد البرجوازية .
ثقته في مخزونه المعرفي و قدراته التحليلية و جرأته على اقتحامه عالم الفكر بالرغم من حداثة سنه ، جعله يُكسرُ بعض الطابوهات ، التي لم يكن أحد من جيله يجرأ على فعله .
و هكذا أصبح يتناول الخمر و يستهلكه في سن مبكرة ، كما أعلن إلحاده و إفطاره في شهر ” رمضان ” علىً مرأىً من الجميع ، مما جعل أطرافا مختلفة تتربص به بل و تتكالب عليه و تهاجمه و تحاول النيل منه و ذلك بإطلاقهم إشاعات مغرضة في حقه ، مؤداها و مضمونها تحريض الغير على كراهيته ليسهل الاعتداء عليه .
يتبعُ…