مشاهدات و معاينات .

4 أكتوبر 2024

ذ : ادريس حيدر :

و أنا أقضي بعض الوقت في الديار الإسبانية ، بهدف الاستراحة قليلا من ضغط العمل ، و بحثا عن فضاءات مغايرةً لتلك التي أعيش فيها ، بغية الفوز بلحظات من الاسترخاء ، و القبض على بعض الوقت الهارب من إكراهات الزمن الصعب و الرمادي ، لاحظتُ و عاينتُ ظواهر أرغمتني على التأمل و استخلاص العبر و منها
‎1- زحف الذكاء الاصطناعي على الحياة العامة :
لقد قرأتُ و اطلعتُ كثيرا كثيرا على مفاهيم حول الذكاء الاصطناعي : أهميته ، آثاره على الحياة العامة و التي سيحدثها على بنية المجتمع .
لكنه لم يسبق لي أن عاينتُ تنزيلاته بالملموس .
أجل ، إن ” إسبانيا” لا تُعَدُّ و لا تُعْتَبَرُ من دول الصفوة و الرائدةً في عالم التكنولوجيا ، و لكنها تُحْسَبُ من بين أهم الدول التي تضطلعُ على آخر ما يحصل و يُنْتَجُ في العالم ، و تقوم بتنزيلاته .
و لعل ما يجعل السياح و خاصة المنتمون للدول المتقدمة : الولايات المتحدة الأمريكية ، إنجلترا ، اليابان ، الصين …الخ ، لا يشعرون بالاغتراب ، بل و كأنهم يعيشون في مجتمعاتهم التي هي الأخرى تكون سباقة إلى تنزيل تلك التغييرات العلمية الفائقة التعقيد و المثيرة للذهول و الدهشة .
و هكذا أصبح من الممكنً للشخص الذي يتبضع من بعض المتاجر ، أن يأخذ البضاعة التي اقتنتها إلى إحدى الآلات ، التي تُخْبِرهُ بثمنها ، فيدخل فيها بعد ذلك بطاقته البنكية قصد اقتطاع المبلغ أو يؤديه نقدا ، و أنذاك تُخرج تلك الآلة وصلا يُفيد أداء ثمن البضاعة ، و بالتالي فعملية البيع ، أصبحت تُنْجَزُ آليا ، و هكذا يتم الاستغناء رويدا رويدا عن العمل الذي كان يقوم به ذاك الشخص المكلف بالبيع .
و الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ، بل هناك تطبيقات في : الكراء ، الخدمات ، تُبشِّرُ بتغييرات كبيرة ، قادمة في كل مناحي الحياة مع ما يرافقها من آثار سلبية على العمال و المستخدمين ، علما أن خدمات تلك الآلات تتم بكثير من السرعة و النجاعة .
‎2- بنيات تحتية قوية و مجدية :
قد يُفاجئ المرء ، بتلك البنية التحتية القوية و المتينة على مستويات عدة :
الطرق ، التشوير ، و سائل النقل ( قطاراتُ القرب ، المترو ، الحفلات متعددة لشركات مختلفة ، متوفرة على كل وسائل الراحة ، لخدمة الزبون ، فضلا عن الدقة في انطلاقها و وصولها ، بما يعني احترام المواطن | الزبون .
و كل تنقلات وسائل السفر تتم بانسيابية و سلاسة ، مما يُشجعُ إقبال السياح من كل أنحاء العالم على زيارة هذا البلد ، الشيء الذي ينعكس إيجابا على سوق العمل ، و يزيد من مداخيل الدولة بالعملة الصعبة .
و الملاحظ أيضا أن كل هذه الخدمات تزداد تجويدا مع مرور الوقت ، و هذا ما يُلاحِظُهُ كل متردد على هذه البلاد .
‎3- استتباب الأمن :
استتباب الأمن بشكل كامل ، يُلْفِتُ نظر الزائر ل ” إسبانيا” ، بشكل يَثيرُ الإعجاب ، و مَرَدُّ ذلك إلى مايلي :
* حيوية المجتمع و تشبعه بالقيم الفضلى .
* محاولة الدولة الاستحابة لانتظارات القوى السياسية و النقابيّة و تنظيمات المجتمع المدني ، بخصوص توفير فرص الشغل لأوسع فئات الشعب .
* حضور دوريات الشرطة في كل مكان ، بما يُفيدُ الحرص على سلامة المواطن ، بعيدا عن القمع و الاستبداد .
كل هذه العوامل جعلت الجمهور الواسع و العريض من المواطنين الإسبان أو الزوار الأجانب يشعر بالاطمئنان نتيجة استتباب الأمن ، الأمر الذي يساعد هو الآخر على تدفق السياح على البلاد .
4- لطف و كرم المواطنين الإسبان :
الشعب الإسباني ، كما هو معلوم ، يعيش بشكل مستمر البهجة و الفرحة ، من خلال أمسيات ساهرة قد تطول ، احتفالات ، مهرجانات …الخ ،
و يثير انتباه الزائر استعداد الإسباني مساعدة الغير في الوصول إلى مبتغاه ، من حيث إمداده بالمعلومة ، المصاحبة ، التفسير و الشرح …الخ .إلا أنني حضرتُ واقعة أو مشهدا في غاية الروعة :
كان أحد الأزواج الأجانب ، بصدد مساعدة زوجته على اقتناء حقيبة يدوية ، و احتار الزوجان في الاختيار و في لون الحقيبة المناسب ، فجأة استسمحتها إحدى السيدات الإسبانية ، من أجل إبداء رأيها ، و اقترحت عليهما أحد الألوان الجميلة و شكل الحقيبة ، و أبلغتهما أنها تليق بالمرأة و تناسبها أكثر ، و انسحبت متمنية لهما بدوام المحبة و الود ، وثق الزوجان في اقتراحها و شكراها كثيرا- [x] هذه المسلكيات تنم عن تحضر و رقي ، و في نفس الآن يعكس الوجه المشرق للشعب الإسباني ، مما يزيد إقبال الزائر عليه-
و هذا ما يُفسر تواجد الإنجليز بكثرة على امتداد ” ساحل الشمس ” ( costa del sol ) ، في إقامات طويلة و دائمة ( المتقاعدون ) ، و نفس الشيء بالنسبة ل” الألمان” ، و شعوب شمال أروبا : السويد ، النرويج و الدانمارك .
5- النظام و التنظيم و الجودة –
أينما حل السائح : الأسواق ، المقاهي ، المطاعم ، الشواطئ ، المواصلات ، سيلاحظ أن هناك تنظيما محكما و نظافة ملفتة للانتباه ، و جودة في الخدمات .
و أنا أتأمل و أعاين مسلكيات الإنسان في هذا البلد ، و المنظومة القيمية لدى الإنسان في ” إسبانيا” ، يرتد بي عقلي و وجداني و كياني إلى بلدي الجميل ( المغرب ) ، الذي يفتقر إلى كثير مما سلف بسبب غياب سياسة للدولة تعتني بالبلاد و العباد من مواطنين و زائرين . –
إنها بالفعل ، حسرة كبيرة ، بسبب سياسات الدولة الفاشلة منذ فجر الاستقلال و التي لم تكن قطعا تخدم البلاد و العباد ، بل تخدم ثلة من المحسوبين عليها أي :” خدام الدولة ” ، أو بعبارة أصح :” خدام المخزن “.

غرناطة في : 03|10| 202

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading