ذ : ادريس حيدر :
و أنا أقضي بعض الوقت في الديار الإسبانية ، بهدف الاستراحة قليلا من ضغط العمل ، و بحثا عن فضاءات مغايرةً لتلك التي أعيش فيها ، بغية الفوز بلحظات من الاسترخاء ، و القبض على بعض الوقت الهارب من إكراهات الزمن الصعب و الرمادي ، لاحظتُ و عاينتُ ظواهر أرغمتني على التأمل و استخلاص العبر و منها
1- زحف الذكاء الاصطناعي على الحياة العامة :
لقد قرأتُ و اطلعتُ كثيرا كثيرا على مفاهيم حول الذكاء الاصطناعي : أهميته ، آثاره على الحياة العامة و التي سيحدثها على بنية المجتمع .
لكنه لم يسبق لي أن عاينتُ تنزيلاته بالملموس .
أجل ، إن ” إسبانيا” لا تُعَدُّ و لا تُعْتَبَرُ من دول الصفوة و الرائدةً في عالم التكنولوجيا ، و لكنها تُحْسَبُ من بين أهم الدول التي تضطلعُ على آخر ما يحصل و يُنْتَجُ في العالم ، و تقوم بتنزيلاته .
و لعل ما يجعل السياح و خاصة المنتمون للدول المتقدمة : الولايات المتحدة الأمريكية ، إنجلترا ، اليابان ، الصين …الخ ، لا يشعرون بالاغتراب ، بل و كأنهم يعيشون في مجتمعاتهم التي هي الأخرى تكون سباقة إلى تنزيل تلك التغييرات العلمية الفائقة التعقيد و المثيرة للذهول و الدهشة .
و هكذا أصبح من الممكنً للشخص الذي يتبضع من بعض المتاجر ، أن يأخذ البضاعة التي اقتنتها إلى إحدى الآلات ، التي تُخْبِرهُ بثمنها ، فيدخل فيها بعد ذلك بطاقته البنكية قصد اقتطاع المبلغ أو يؤديه نقدا ، و أنذاك تُخرج تلك الآلة وصلا يُفيد أداء ثمن البضاعة ، و بالتالي فعملية البيع ، أصبحت تُنْجَزُ آليا ، و هكذا يتم الاستغناء رويدا رويدا عن العمل الذي كان يقوم به ذاك الشخص المكلف بالبيع .
و الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ، بل هناك تطبيقات في : الكراء ، الخدمات ، تُبشِّرُ بتغييرات كبيرة ، قادمة في كل مناحي الحياة مع ما يرافقها من آثار سلبية على العمال و المستخدمين ، علما أن خدمات تلك الآلات تتم بكثير من السرعة و النجاعة .
2- بنيات تحتية قوية و مجدية :
قد يُفاجئ المرء ، بتلك البنية التحتية القوية و المتينة على مستويات عدة :
الطرق ، التشوير ، و سائل النقل ( قطاراتُ القرب ، المترو ، الحفلات متعددة لشركات مختلفة ، متوفرة على كل وسائل الراحة ، لخدمة الزبون ، فضلا عن الدقة في انطلاقها و وصولها ، بما يعني احترام المواطن | الزبون .
و كل تنقلات وسائل السفر تتم بانسيابية و سلاسة ، مما يُشجعُ إقبال السياح من كل أنحاء العالم على زيارة هذا البلد ، الشيء الذي ينعكس إيجابا على سوق العمل ، و يزيد من مداخيل الدولة بالعملة الصعبة .
و الملاحظ أيضا أن كل هذه الخدمات تزداد تجويدا مع مرور الوقت ، و هذا ما يُلاحِظُهُ كل متردد على هذه البلاد .
3- استتباب الأمن :
استتباب الأمن بشكل كامل ، يُلْفِتُ نظر الزائر ل ” إسبانيا” ، بشكل يَثيرُ الإعجاب ، و مَرَدُّ ذلك إلى مايلي :
* حيوية المجتمع و تشبعه بالقيم الفضلى .
* محاولة الدولة الاستحابة لانتظارات القوى السياسية و النقابيّة و تنظيمات المجتمع المدني ، بخصوص توفير فرص الشغل لأوسع فئات الشعب .
* حضور دوريات الشرطة في كل مكان ، بما يُفيدُ الحرص على سلامة المواطن ، بعيدا عن القمع و الاستبداد .
كل هذه العوامل جعلت الجمهور الواسع و العريض من المواطنين الإسبان أو الزوار الأجانب يشعر بالاطمئنان نتيجة استتباب الأمن ، الأمر الذي يساعد هو الآخر على تدفق السياح على البلاد .
4- لطف و كرم المواطنين الإسبان :
الشعب الإسباني ، كما هو معلوم ، يعيش بشكل مستمر البهجة و الفرحة ، من خلال أمسيات ساهرة قد تطول ، احتفالات ، مهرجانات …الخ ،
و يثير انتباه الزائر استعداد الإسباني مساعدة الغير في الوصول إلى مبتغاه ، من حيث إمداده بالمعلومة ، المصاحبة ، التفسير و الشرح …الخ .إلا أنني حضرتُ واقعة أو مشهدا في غاية الروعة :
كان أحد الأزواج الأجانب ، بصدد مساعدة زوجته على اقتناء حقيبة يدوية ، و احتار الزوجان في الاختيار و في لون الحقيبة المناسب ، فجأة استسمحتها إحدى السيدات الإسبانية ، من أجل إبداء رأيها ، و اقترحت عليهما أحد الألوان الجميلة و شكل الحقيبة ، و أبلغتهما أنها تليق بالمرأة و تناسبها أكثر ، و انسحبت متمنية لهما بدوام المحبة و الود ، وثق الزوجان في اقتراحها و شكراها كثيرا- [x] هذه المسلكيات تنم عن تحضر و رقي ، و في نفس الآن يعكس الوجه المشرق للشعب الإسباني ، مما يزيد إقبال الزائر عليه-
و هذا ما يُفسر تواجد الإنجليز بكثرة على امتداد ” ساحل الشمس ” ( costa del sol ) ، في إقامات طويلة و دائمة ( المتقاعدون ) ، و نفس الشيء بالنسبة ل” الألمان” ، و شعوب شمال أروبا : السويد ، النرويج و الدانمارك .
5- النظام و التنظيم و الجودة –
أينما حل السائح : الأسواق ، المقاهي ، المطاعم ، الشواطئ ، المواصلات ، سيلاحظ أن هناك تنظيما محكما و نظافة ملفتة للانتباه ، و جودة في الخدمات .
و أنا أتأمل و أعاين مسلكيات الإنسان في هذا البلد ، و المنظومة القيمية لدى الإنسان في ” إسبانيا” ، يرتد بي عقلي و وجداني و كياني إلى بلدي الجميل ( المغرب ) ، الذي يفتقر إلى كثير مما سلف بسبب غياب سياسة للدولة تعتني بالبلاد و العباد من مواطنين و زائرين . –
إنها بالفعل ، حسرة كبيرة ، بسبب سياسات الدولة الفاشلة منذ فجر الاستقلال و التي لم تكن قطعا تخدم البلاد و العباد ، بل تخدم ثلة من المحسوبين عليها أي :” خدام الدولة ” ، أو بعبارة أصح :” خدام المخزن “.
غرناطة في : 03|10| 202