
أسامة الحنشي.
كثيرا مانحتاج لمجالسة ذاتنا ومحاورتها بغية الوصول إلى حالة من الارتياح والاطمئنان النفسي..وبغية تصحيح الأخطاء ومعالجتها ..وكذا تحقيق الأفضل..وهذا يفرض علينا أن نخصص بداية ..حالة عزلة اختيارية..بهدف التعرف على الذات والانخراط في مشاريعها النفسية والتأملية وهذا يعد مغامرة بحد ذاته..ومع ذلك تعد المحاولة بالأخير أمرا إيجابيا تخبرنا بحالة النضج والوعي الذي بلغناه..لكن قبل ولوج هذا السفر الاستثنائي باعتبار أننا لا نبارح المكان ولكن العقل هو من يخلق الأمكنة والأزمنة والمسافات..لابد من التأكيد على إيجاد خاصية التوازن لأنها الأساس في هذه الطفرة..فالعزلة التي تصاحبها الوحدة تعتبر حالة خاطئة.. كما هو الشأن في الانخراط في وضعية اختلاط مستمرمع الناس..لكن بالمقابل اللجوء الى حالة العزلة الإرادية ومحاروة الذات واستفزازها بين الحين والآخر أمر صحي ومجدى..لأنه يرسخ لشروط استقرارشخصية الإنسان..وباعتقادي أن حالة العزلة الاختيارية من شأنها أن تساعد كل إنسان وبالأخص كل فنان ومبدع أن يقوم بنقد ذاتي من شأنه أن يصحح ويقوم مافاته سهوا أو قصدا وبالتالي أن يثري انتاجاته..وإبداعاته..وهذا ما أحاول أن أفعله كلما آنست في نفسي القدرة والجرأة.
بمكان ما.. وبزمان ما..جلست خارج ذاتي ونظرت إليها من شرفة المراقبة الودودة الناعمة..ومن خلف مكتب المحاسبة المصاحبة..أول ما أثار استغرابي ولفت دهشتي ..هو ذلك الإحساس بدقات قلبي المتسارعة كسيارة سباق يمكن أن ينفجرمحركها بأية لحظة..هدأت أنا الجالس خارج ذاتي قليلا قليلا..تحسست قلبي فلم أعثر لاعلى معالمه.. ولاعلى أبعاده ..ولاعلى خريطة هندسته المفترضة..عثرت فقط على فجوة فراغ مخيف..برودة خارج الفصول..غمرني الشعور أن قلبي على شاكلة قاعة انتظاربردهات متعددة ..فارغة ذات أبعاد لايجرؤ أن يحدها النظر..تعج بأشخاص أعرفهم وبآخرين كنت أعتقد أني عرفتهم ذات مروربغروب يوم صعب ..رجال يتصفحون صحفا أوكتبا..وفي الغالب الأعم هواتف ولوحات إلكترونية..الرؤية ضبابية على أعتاب قيام الفجر..نساء في ريعان الشباب كلما أطلت النظر فيهن تغيرت ملامحهن .. فتدرك أنك كنت تعرفهن ولاتعرفهن يتحولن الى فراشات مزهوة زاهية..ضوء الكشافات الذي لاأعلم أصله ولامنبعه ..يغريهن فيقدمن عليه في خطى هلامية..لاصوت لملامسة أحذيتهن للأرض..موسيقى أنفاسهن تسيطر على المشهد السمعي..زغرودة آتية من بعيد تخيم على قاعة الانتظار..تلتف كثعبان مدجن على السارية الوسطى للمبنى..حيث وجد ت نفسي تبحث عن ذاتها..أردت بايماءة خفية خفيفة أن أستفسر عن الأمر..الكل يمسك بهاتفه وبحركات متسارعة على واجهة تلك الهواتف تماثل حركة التزحلق على الجليد..أدركت أنني ربما أهلوس أو ربما هناك تضارب بين الحلم والخيال والحقيقة.. وبين الغمام والتجلي..وبين الوضوح والتخفي.
خيم جو بارد بقاعة الانتظارحيث قلبي مشاع بكل نوافذه ومضخاته على شساعة الفراغات التي تنقش حكايا الحنين على حيطان اللاممكن..طلعت ذاتي فجأة من خلف سحابة في طور الانسحاب..غمرني وعي اللاوعي حد الابتسام..والإحساس بهدوء روح الروح..قلت كنت وحيدا تائها فاقدا طعم النبوءة..مستوحيا من تراتيلك أملي ..بانيا في غيابك آمالا تناطح السحاب.. قالت أعلم أنك فوضى من الأسئلة التي تبحث لنفسها عبثا عن أجوبة..فوضى من الأحلام التي تبحث لنفسها عن مرسى ..كن عميقا..فكل الأجوبة كل الأحلام ..لصيقة كيانك شخصك أفكارك..اعترف بأنك رجل التناقضات..هادئ كليلة صيفية..صاخب كليلة شتوية..رجل التأملات سائل مستفز مزعج..مجيب مريح مقنع..رجل المواقف الجادة والعواطف المتقدة..
لاتهتم اختر ما يحلو لك من فصول ومن ألوان..زين سقف رؤاك بلوحات تأملاتك..ازرع حرفك في أيتها أرض واجعل من مشاعرك الطفولية في رجولة واقتدار..سمادا يغذي الأنفس ويداوي الجراح..صب عسل كلماتك في فراغات الأيام العصيبة..وآمن بأن قصيدك عقد ذهبي يزين جيد حياتك..
أنت رجل مغرم بالألوان فلا تنزعج ولاتهتم بمن يحب أن يدخلك في قائمة محبي اللون الأسود..عش إشراقتك مع البهي الزهي من الألوان أحضن البنفسجي وعانق الزهري وداعب الأصفر والأحمر والأزرق وما تفرع عنها من ألوان..أنت رجل برأتين ..ادخل غمار الأعماق..لاتحتاج لغيرإرادتك وأحلامك فلاتتخلى عنها ولا تنحني تحت وطأة من يحبك أولايحبك ..من أجل حالة إرضاء تذوب كقطعة سكر أسود..لاتغضب نفسك من أجل الآخرين..لاتستفزشخصك..خذ فنجان قهوتك بلاسكر واحصل على جرعة مزاج واسعد..أعلم أنك تغضب بسرعة جنونية لكن قلبك جنة يغفر كل الأخطاء ويسامح كل من دخل بيتك آمنا..إنزع قناع المسؤولية واصطناع القسوة وداعب الطفل بداخلك وخذ بيده ليصل لحالة من الانصهار والذوبان في عوالم الأدب والشعر والفن والجمال..ذاتك تعانقك تحضنك تومن بك تتمثل أفكارك تعزف على مسامعك لحن الوجود..اركب العنقاء وحلق في سموات الأمل والتأملات..وارفع أكف الدعاء تقربا..وارفع نخب الأحلام توسلا لرب السماء.