
ذ. محمد أكرم الغرباوي :
أن تكتب عن المرأة ، هي مغامرة نحو عوالم الإختلاف و الإتلاف ، ورحلة روحانية لابد لها من وقود التقدير و الإجلال .
كذلك هو الحديث هنا و الآن ، عن سيدة من سيدات بيت الورع و العلم و المكانة و الرفعة و الحكمة . كتب لها بعد رحلة التمدرس بالثانوية المحمدية أن تشتغل بها طوال مدة تقديسها لشرف التربية و التعليم . تتلمذ على حكمتها و رزانتها و أخلاقها و سيادتها الصفية أجيال و أجيال .
بوزرة بيضاء فاقع صفاؤها تستقبل متعلميها، – إذ قليل ما أتذكر ولوجنا الفصل قبلها – أذكر سنوات تتلمذي بقسمها إلى جانب نخبة من أصدقاء الزمن الجميل و نحن ننبش في رفوف مكتبة المركز الثقافي و المرينة بحثا عن ما يحمينا من لظى السؤال . كان القسم بيتا للحكمة و النقاش و المجادلة و النقد ونقد النقد . وباقتدار جليل توزع الحوارات و تؤيد و تخالف و تجمع و تؤلف و تختزل و تشجع و تلهم و تبهر … هكذا هي سيدة الحكمة ودرس الفلسفة المجيد الفاضلة سمية نخشى .
هي ملهمة ساكنة القصر الكبير ، و صاحبة أفضال الدرس الفلسفي الأول ، و محطة العبور الكبير نحو فكر كبار المفكرين و الفلاسفة و النقاد . وهي تنحت الكلام و تروض الجمل و الأفكار . و تلوي بها و تقذف بها بعيدا حيت التأمل والبحث عن ممكنات جديدة في التفكير و التأويل . هكذا كانت تستمتع وهي تصنع من كل من جلسوا إليها معلمة ملهمة عشاق الفكر الفلسفي .
الفاضلة سمية نخشى عرفتها صغيرا وقد أُجبِرت على التمدرس بقسم الأدب الإسباني بمعية مكرهين آخرين . فوجدناها تعلمنا قانون الإجبار و الإختيار . وكيفية الخروج من ضيق الفرض و الإكراه . وعرفتها وهي تنحرط طوعا في درس الدعم التلاميذي المفتوح بإقتراح من الدكتور عبد السلام دخان و سيدة الثقافة الفاضلة بشرى الأشهب Bouchra Achhab . و عرفتها سيدة الدرس و التأويل و الأدب النسائي الى جانب هيئات مدنية وازنة . و عرفتها مشعلا نورانيا صوفيا وهي تبحر في سماوات سيدات ووليات أهل العلم و الصلاح و التقوى .
هي سيدة التعدد و المختلف و المتعدد . من رسمت خطوط و مسار المتعلم الأول بدرس جريء الطبيعة و الثقافة .
وأنا في احتفالية الشعر والفلسفة شرفني الدكتور عبد السلام دخان و الدكتور محمد الغرافي و الدكتور محمد اليونسي بأن أدلي بشهادة في حقها و هي المكرمة يومها . أدركت ساعتها أن الحديث أحيانا خائن وجبان أمام ثقل المحبة والوفاء . وهي الحالة نفسها هنا و الآن مرة ثانية و صدى المحبة يذكرني بإمرأة لن ينساها الزمن ، ولا كل من أدرك درسها أو استمع اليها . بالأمس القريب وقعت آخر محضر خروج مهني . ليكون نفسه أول محضر دخول الى ذاكرة الإنسانية الفضلى التي لا يمحوها غبار الزمن .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية