
الدكتور محمد البدوي :
“وحمل الراية أبو هن-ية إني أراه الآن في الجنة”
بلغة أهل فلسط-ين الحبيبة، “عل الجنة” بهذه العبارة الرقيقة والجميلة ودّع المج- اهد أبو العبد عالم التراب، بهذه الجملة الموجزة فارق دنيا الناس، وانتقل إلى رب الناس، هذه العبارة أجمل ما حوته معاجم اللغة العربية، وأروع ما تزينت به كتب السنن، والصحاح والتراجم، أعظم ما يوجد في بطون مؤلفات السيرة.
نال الشه-ادة أبو هن- ية، بلغ العلا وأدرك الثريا، فقد فاز ورب الكعبة.
أصبت الفردوس الأعلى وحياة هنية يا أبا هن-ية.
هل كان صاحبنا الشه-يد على موعد مع الجنة؟ هل رأى شيئا لم يره غيره؟ أو هل بشر ببشرى كان يسترها؟ كان يردد كثيرا الش-هادة، ويظهر مستبشرا فرحا مسرورا وهو يردد شعاره الخالد: “الموت في سبيل الله أسمى أمانينا”.
يقينا كان يشم رائحة الجنة، ولا نشك أن أرض غ-زة العزة اليوم كلها معطرة ومخضبة بروائح الجنة، هي أرض الحياة وما أدراك ما الحياة، هي أرض الرباط، وكأني بمنادي ينادي بأعلى صوته بين شعاب وأزقة عسقلان، اقبلوا ولا تترددوا، هيا إلى جنة عرضها السموات والأرض! وكأني بالحياة الحقيقية تكتب هناك بدماء الشه-داء، وكأني بالموت يصيب العالم، الذي ماتت فيه الآدمية، وقتلت فيه الإنسانية، وانت-حر فيه العرب والمسلمون.
حياة تنبعث من تحت الأنقاض لتقيم على العالم المنافق الحجة، حياة تخرج من الركام فتأخذ صورة للأموات.
أدركت اليوم لماذا كان حرص اليه-ود على العودة إلى أرض الميعاد؟ ولماذا فلس-طين؟ فهم يعرفون أن هذه الأرض جزء من الجنة، أما غ-زة العزة فهي جنة الله في أرضه، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول هذا الأمر نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكا ورحمة ثم يكون إمارة ورحمة ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر فعليكم بالج-هاد وإن أفضل جه -ادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان. وهو حديث صحيح كما قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة.
“هي جنة الخلد ” إذن يا أبا العبد.
“عل الجنة” يا اسماعيل يا هن- ية “عل الجنة” يا كل الشه-داء، بخ بخ… ربح البيع، هنيئا لكم جنة الخلد، جنة عرضها السموات والأرض.
فعن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النَّضْرِ رضي الله عنه عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غِبْتُ عن أول قت-ال قات-لت المشركين، لئن الله أشهدني قت-ال المشركين لَيُرِيَنَّ الله ما أصنع. فلما كان يوم أُحُدٍ انْكَشَفَ المسلمون، فقال: اللَّهم أعْتَذِرُ إليك مما صنع هؤلاء-يعني: أصحابه-وأبرأُ إليك مما صنع هؤلاء-يعني: المشركين-ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنَّة وربِّ الكعبة إنِّي أجِدُ ريحها من دونِ أُحُدٍ. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع! قال أنس: فوجدنا به بِضْعَا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة بِرُمْح، أو رَمْيَة بسهم، ووجدناه قد قُت-ل ومَثَّل به المشركون فما عَرفه أحدٌ إلا أُختُه بِبَنَانِهِ. (متفق عليه).
قال أنس: كنَّا نرى أو نَظُنُّ أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} الأحزاب 23.
هي الفردوس الأعلى دون غ-زة، هي رائحة الجنة دون عسقلان.
(وعنْ أنَسٍ رضي الله عنه، قالَ انْطَلقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا المشْركِينَ إِلَى بَدرٍ، وَجَاءَ المُشرِكونَ، فقالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ يَقْدمنَّ أحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شيءٍ حَتَّى أكُونَ أنَا دُونَهُ فَدَنَا المُشرِكونَ، فقَال رسُول اللَّه ﷺ: قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السموات وَالأَرْضُ قَالَ: يَقولُ عُمَيْرُ بنُ الحُمَامِ الأنْصَارِيُّ رضي الله عنه: يَا رسولَ اللَّه جَنَّةٌ عَرْضُهَا السموات والأرضُ؟ قالَ:
نَعم قالَ: بَخٍ بَخٍ، فقالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَولِكَ بَخٍ بخٍ؟ قالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رسُول اللَّه إلاَّ رَجاءَ أَنْ أكُونَ مِنْ أهْلِها، قَالَ: فَإنَّكَ مِنْ أهْلِهَا فَأخْرج تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَل يَأْكُلُ منْهُنَّ، ثُمَّ قَال لَئِنْ أنَا حَييتُ حَتَّى آكُل تَمَراتي هذِهِ إنَّهَا لحَيَاةٌ طَويلَةٌ، فَرَمَى بمَا كَانَ مَعَهُ مَنَ التَّمْرِ. ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ) رواهُ مسلمٌ.
وختاما هذه نصوص كنت أمر بها مر الكرام، أما اليوم فإني أراها تتحقق في الواقع، أحياني الله حتى ألفيتُنِي أفهم آيات وأحاديث، فشكرا لرجال المقاومة الأشاوس الذين فتحوا لنا الباب فنقبل على فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإنه لجهاد؛ نصر أو استشهاد ولا نامت أعين الجبناء.