ذ : إدريس حيدر
تقدمنا معا بطلب إلى المحكمة من أجل استصدار حكم يقضي بطلاق اتفاقي بيني و بين زوجتي .
خضعت لتوجيهات الطبيب المعالج و حاولت التكيف مع حياتي التي لم أخترها .
ظلت وضعيتي النفسية ،كذلك بين صعود و هبوط ، و اخترت الانزواءعن الناس و الابتعاد عنهم.
كما أمسيت أعيش بالحد الأدنى في كل شيء : الأكل و الشراب ،الملابس ،التطبيب…الخ ،لأن راتبي من خدمتي العسكرية لم يكن يسعفني.
في احد أركان المنزل كنت استرجع – بشكل دائم- فصولا من حياتي الكئيبة، و كان مؤنسي في وحدتي هو جهاز الراديو.
و في إحدى الأيام سمعت من مذيع إحدى النشرات الإخبارية ، إخبارنا بتاريخ إجراء امتحان الباكلوريا ،و أن على المرشحين الأحرار أن يربطوا الاتصال بالمركز القريب منهم من أجل ملئ ملفات الترشيح و إرفاقها بالوثائق المطلوبة .
و فجأة لا أدري ماذا حصل بداخلي ،شعرت بقوة استثنائية و جموح كبير من أجل ركوب التجربة و رفع التحدي .
استيقظت من سباتي و بياتي و قصدت الجهة ذات الصلة ، و قمت بالإجراءات المطلوبة و قدمت ملف ترشيحي لاجتياز امتحان الباكلوريا.
ربطت الاتصال بسرعة فائقة مع تلامذة القسم النهائي من الدراسات التأهيلية و الذين سيجتازون امتحان الباكلوريا من أجل استنساخ ملخصات المواد المقررة و تحضيرها.
عكفت على التحصيل ،دون آكل أحيانا، و كأنني زاهد يتعبد في دير.
أهملت نفسي ،فاتسخت و كذلك ملابسي و عفوت عن لحيتي، و غدوت أبدو و كأنني بعثت من قبر أو منسيا في إحدى الكهوف.
لم انم ليلة الامتحان ،و انتابتني من جديد حالة خوف و قلق شديدين و راودتني فكرة التخلي عن الامتحان.
كنت ذلك الصباح و أنا متجه إلى مركز الامتحان أشعر بالذبول ،و كانت رجلي لا تقويان على المشي ،ترتعدان و تتعثران ،كما أن رغبة الغثيان لم تكن تفارقني.
ولجت الفصل المعين ، و لاحظت أن بعض المرشحين كانوا في مثل عمري ، يضحكون و يرسلون نكثا حول الامتحان و المرشحين الأحرار.
هذه الأجواء المريحة خلقت بعض الطمأنينة بداخلي.
دخل القاعة ثلاثة حراس و أخذوا امكنتهم ،و فجأة ولجها شخصان يحملان أظرفة كبيرة ،مزقا أغلفتها ،و بدءا يوزعان اوراق امتحان المادة الأولى التي كانت تتعلق بالتاريخ و الجغرافية.
كان قلبي قد بدأ يدق دقات قوية ،يكاد الغير يسمعها ،حتى خفت أن ينط من قفصي الصدري .
تمكن مني الخوف و الرعب ثانية . وُضِعَت ورقة الامتحان أمامي من طرف المسؤول الذي كان يوزعها ،كنت قد أغمضت عيني خوفا من مفاجأة غير سارة .
بدأت أفتحها بمهل ،و بمجرد أن قرأت الأسئلة، انكببت على الأجوبة دون تردد و كان ذلك لأول مرة ،كما أنني كنت أول من أنهى الجواب و سلم ورقة الامتحان لأحد المسؤولين.
يتبع…