زلزال في حياتي

15 سبتمبر 2023

ذة ربيعة حميحم

كان يوما عاديا كباقي الأيام ، عدت كالعادة مهرولة للبيت ، لم يلحظ أحد دخولي ، كل في ركن منزوي إبنتي الصغيرة مسحورة أمام فيلم ديزني ، أما الثانية فتحضن هاتفها ليلا و نهارا ، والكبرى في غرفتها معتكفة عن الدنيا ، لا أحد يشعر بالثاني ، أغراب تحت سقف واحد . أما زوجي شريك حياتي فقد ارتبك بمجرد أن رآني وأنهى مكالمته ، لم أسمع مايقوله لي ، لكنه كان يكذب بكل تأكيد !!!!!!
سئمت حياتي وكرهتها ، اصبح بيتي سجنا كبيرا ، وزوجي وبناتي سجانون لم أعد أطيقهم ، فالكل ضدي ، كل يمشي على هواه لا احد يكثرت بي وبمشاعري، لا احد يسألني عن حزني او فرحي ….. ، أجمعوا على محاربتي أحسست بوحدة رهيبة . هوّة شاسعة بيني وبين فلذات أكبادي ، أصبحت عدوة لدودة لبناتي ، لم أعد أفهمهم ولا هم يفهمونني ، نتعارك على أتفه الاشياء لكنني لن أستسلم . أدمى شوك الورود قلبي ، وتهت وسط الزحام
أصارع الأمواج ، أصبحت كمن يغرد خارج السرب .
لص ناعم كبير تسلل إلى حياتنا ، ليسرق منا أجمل وأعز مانملك ، سوس ينخر جسد كل أسرة الى ان تتهالك وتسقط صريعة .
يا إلهي ماهذا هل نحن حقا أسرة واحدة
أم جيران تحت سقف واحد ؟؟؟!!!!!! . أفلت زمام الأمر مني وأصبحت خيال مآتة في البيت لا أحد يسمع كلامي ، ليتهم ظلوا صغارا كنت أستطيع السيطرة عليهم ، بدأت أحس بغربة كبيرة في البيت . لعنة حلت علينا ، لعنة الخلوي ليسرق منا أنفسنا وأموالنا وحياتنا كلها ، ليتشتت شمل الأسر لتنهار القيم والأخلاق لتفضح الأعراض وتهتك ، زرع شيطاني نبت في كل بيت ، دخل دون استئذان ، وسرق كل شئ جميل داخله ، سرق المشاعر والأحاسيس …. قرّب الهاتف كل بعيد لكنه أبعد كل قريب عن الآخر ، وجعل مسافات بين الأفراد ليتمزق نسيج وكيان الأسرة .
إلى أن جاء اليوم الموعود ، رفضت مرافقة زوجي وبناتي الى العشاء وآثرت الجلوس وحدي … لأستمتع بمسلسلي الجميل ، أحسست فجأة أن الأرض تهتز من تحتي !!!! لم أدر مالذي يجري بالضبط ، لكن كل شئ من حولي بدأ يتحرك وبقوة ، دقات مفزوعة على الباب وصرخات هستيرية : زلزال زلزال !!!! تزلزل قلبي وكاد أن يقفز من بين ضلوعي ، لم أدر ماذا علي فعله ، لكنها ثوان لأجد نفسي أهوي وأهوي في غياهب الأرض ، وكأنني أسقط في بئر سحيقة وانقطع الحبل !!!!! لم أفقد وعيي ، فقد كنت أسمع صراخا واستغاثات ، لكنني لا أقوى على الكلام ، كنت تحت الانقاض ، بدأت أدعوا وأتضرع لخالقي ان يخرجني ، حاولت أن أتحرك لكن دون جدوى ، وكأن ركام بيتي كله فوق جسمي …. بيتي الذي انهار وانهارت معه في ثوان كل أحلامي وآمالي !!!! ندمت أشد الندم أنني لم أرافق أسرتي للعشاء .. هل هذا عقاب لي ؟؟!!!!! أفقت من غيبوبتي ولست أدري كم لبثت ، إلا أنني صحوت على صوت معدات وآلات للحفر ، علمت أنهم ينتشلون الضحايا ، كنت أسمع أصوات تهليل وتكبير ، فأوقن انهم عثروا على أحياء ، وددت ان ارسل لهم إشارات انني على قيد الحياة ، لكنني منيت بالفشل ، كأن شيئا يكبلني ، لم أكن أستطيع حراكا . خفت أن أموت عطشا فحلقي جاف وأكاد أختنق ، كنت على وجل ان تخترق الآلات رأسي فتهشمه ، عشت لحظات رعب حقيقية ، تمنيت الموت حتى ارتاح كاد الخوف ان يقتلني ، اشتقت لبناتي أريد أن أحضنهم واعتذر لهم وابلغهم حبي . كنت أريد أسرة أفلاطونية ، أعترف أنني كنت قاسية عليهن ، لكنني احبهن ، هيهات فالوقت قد فات
فهل من قبس من نور ؟؟؟ رميم روحي تتوق لقطرة ماء ، لتحيى من جديد . كنت في أحشاء الثرى ، مستكينة في سرداب الظلام ، أنتظر مغيثا واسلمت امري لله .
في قرار مكين ، اسمع الآذان فأصلي بعيني وجوارحي . لكن لا قدرة لي على الحراك !!!! لم أفقد الأمل فبعد كل عسر يسر ، دعوت ربي أن يجعل لي مخرجا ، كنت أدعوا دعاء يونس عليه السلام في بطن الحوت ” لا إله الا انت سبحانك إني كنت من الظالمين ” . ضاقت بي الأرض ، تمنيت عصى موسى لأشقها واخرج للنور . أحسست كالجنين في ظلمة الرحم دون مشيمة يتغدى عليها ، ليالي طويلة مظلمة لا بدر فيها ولا قمر ، جربت ظلمة القبر وأنا على قيد الحياة .
أحسست بالركام كله على ظهري ، يثقل كاهلي ، وكأنه الموت بعينه . لا أدري كم لبثت ، فقد أضعت مفاتيح الحياة .
استيقظت ذات يوم ، علمت أنني في المستشفى ، الكل يواسي بناتي لمن سأتركهم ، حالتهم مزرية سيموتون حزنا وكمدا علي . بيد أني لازلت حية أرزق ، مازال قلبي ينبض ، انا أحس بكل من حولي وأسمعهم ، لكنني في سبات عميق .
هاهي أمي أراها حزينة كئيبة منزوية ، لا تأكل ولا تشرب وليس على لسانها سوى إسمي ” منال ابنتي استفيقي حبيبتي ، ليتني كنت مكانك ” ، ابنتي تركت أبناءا وراءها اما انا فلم يعد لي حاجة في الدنيا ، فقد اكملت رسالتي ولم يعد يحتاجني أحد “…. لكنها تستغفر الله وتحمده .
عرفت معنى الأم ومعنى الحب … منجم الحنان الذي لا ينفذ مداده ، الحب الأبدي يبدأ معها وانت في أحشاءها …. شلالات الحنان . الوطن والبلد والوتد ، من حملتني وهنا على وهن .
أنا ابنتها الوحيدة ، تقطع قلبي لحزنها ليتها تسامحني عما سببته لها من آلام ووجع ، يهدم روحها وبدنها ، من كانت تفرح لفرحي وتحزن لحزني ، من تشبع بوجودي ، كنت زادها وكانت زادي لم نفترق أبدا ….. من كنت أشد بها أزري ، وأضمد بها جراحي لتنبت الروح من بعد الجفاف . لن تستحمل امي فراقي ، هي أمي وابنتي واختي ، استلهمت منها كل المعاني الجميلة في الحياة ، لزمت المستشفى شهورا بجانبي لم تفقد الامل .
سمعت أمي تتناقش مع زوجي : ” ألم يكن في إمكانك الانتظار ، تتزوج وابنتي بين الحياة والموت ” ؟؟؟؟ !!!! أيقنت حينها أن زوجي قد تزوج ، لا بد أنه قد يئس من شفائي ، وفقد الأمل في رجوعي للحياة مرة ثانية ، أو ربما كان مستعجلا ملهوفا على الزواج !!!! لكن من هي العروسة ؟؟؟؟؟ وددت أن أصرخ أن أقفز من مكاني .
سمعت ابنتي الصغيرة تقول: ” ماما فدوى طيبة جدا وتحبني” . من ماما فدوى ؟؟؟ هل هي صديقتي الوحيدة المقربة ، التي كنت أحسبها أختا لي ؟؟؟؟ نعم تزوج زوجي بصديقتي المقربة !! كيف ؟؟ ولماذا ؟؟ انا لا زلت على قيد الحياة ….. داست صديقتي زهور قلبي بمداسها بكل وحشية ، من كنت أكتفي بها كصديقة وحيدة ، تغنيني عن الدنيا كلها ، لم يكن لي أخت فكانت هي أختي .
أحسست براحة شديدة ، فقد نقلوني لبيت جديد ، لكن صديقتي المقربة تصول وتجول فيه ، أخذت مكاني ، خانتني هي ورفيق دربي ، لم اكن املك اتجاهها مثقال ذرة من شك او غيرة ، كنت اعتبرها اختي فقد كنت وحيدة في الدنيا ، فاعتبرتها شقيقة لي ، تلبس ملابسي وتتقاسم معي كل مستلزماتي . لكن طمعها وطموحها أكبر بكثير !!!!
كنت أغرقها بعطفي وحناني ، كانني أم لها . كانت صديقتي توهمني باستمرار أنها لا تطيق زوجي وهو كذلك ، هل كانا يمثلان أمامي ؟؟!! كانت لا تفتأ عن تعداد عيوبه التي كنت لا أراها أصلا ، تحرضني دوما … تشجعني على الانفصال عنه ، وان أتفرغ لنفسي وأستقل وأتحرر من الأعباء . مع أنني أستمتع بمسؤوليات بناتي وزوجي لانهم حياتي . كانت تجيبني : لا لابد أن تكون لك حياتك الخاصة ، إنطلقي سافري تحرري !!!!!!!
ألوم نفسي بشدة ، أنا من كنت أشكرها له وأعدد محاسنها أمامه . ” إنه حتما سعيد الحظ من سيفوز بقلب فدوى ” .
لماذا ؟؟؟ لأجيبه أنها تحمل كل خصائص السيدة الناجحة ….. ذكاء وثقافة وحضور ، أنا من شجعته على أن يفكر فيها ، ولا يتوانى ان يتزوجها ، وأنا في المستشفى بين الحياة والموت ! تيقنت من دورها المريب في إذكاء فتيل الخلافات بيننا ، تجيد اللعب على اوتار مشاكلي ، كانت تشجعني على الطلاق منه . وأنني سأكون سعيدة من دونه وأن الرجل لا قيمة له في الحياة !!!
لطالما تشبثت بأذيال الصداقة وتمسكت بها ، لكنني منيت بخيبة كبيرة .
كنت تلك الشمعة ، التي تحترق وتذوب وتذوب لتضيئ من حولها ، أنا من كنت أشاركها مشاكلي وحياتي اليومية . لكنها غرست خنجرها السام في ظهري ، ونثرت بذور الغدر في حياتي .
استفقت على حقيقة مرة بعد غيبوبة طويلة الاجل !!! تمنيت أن أعود للحياة ، وأواجهها وأخنقها ، لكن هيهات !!! أنا من ادخلت الحية إلى بيتي ، انا من استأمنتها على أسراري ، أنا من قدمتها لزوجي على طبق من ذهب ، فدست سمها في طبقي ،
… وسددت سهام غدرها نحوي ، لتطعنني في مقتل و ترقص على آلامي واحزاني .
دخلت ابنتي الصغيرة لؤلؤة البيت غرفة النوم ، فنهرتها الحيزبونة ” ألم يعلمك احد الأدب كيف تدخلين دون استئذان” . آسفة ، كانت صغيرتي تحضن دميتها ، لتختطفها منها وتلقيها ارضا ، انحنت صغيرتي والتقطتها ، لماذا ؟؟؟؟ لتصرخ ” أظنك كبرت على الدمى ” إغربي عن وجهي . لم يرف لها جفن ابدا ….. التقطت حبيبتي دميتها من الارض لتحضنها من جديد ، أحسست وكأنها تحضنني أنا ، فقد كانت آخر هديتي لها وقد التقطتها من تحت الأنقاض ، يتفتت القلب من كبد تبت يداها !!!!
كانت روحي تحوم حول الغرفة تسمع وترى كل مايحدث ، وددت أن أخنق هذه الشريرة بيداي ….. انها ريحانة قلبي ، اسرعت ملاكي لغرفتها أقفلتها وبدأت بالبكاء كانت دموعها تقطع أحشائي . انهضي يا أمي لماذا تركتينا ؟؟؟؟؟!!!!!
هبت ريح سموم لتقتلع العش الدافئ من جذوره ، لتتلاعب به الدنيا عاليا ، سفينتي تغرق ، بيتي المتين الذي بنيته لبنة لبنة أصبح واهنا كبيت العنكبوت ، أراه ينهار أمامي لكنني مشلولة عاجزة ، ميتة في نظر الجميع !!!! سمعتهم يصرخون ، علمت أنها نهايتي .
موتي رحمة لي ، أكيد لن أستطيع تحمل مايجري حولي ، لكنهم سيعيشون لن يتوقفوا عن التفكير في ، لم تعد لي رغبة في الحياة !!!!
أريد أن أرقد في قبري بسلام ، لا أقوى على رؤية من أحب بلا حدود وهم يحبون غيري …. مقبلين على الحياة مستبشرين . سيتعب قلبهم على فراقي ، لكنه سيظل ينبض بالحياة . لن يقفل علي وحدي ، سيفتح ليسع أناسا آخرين ، وسيغرد لحب جديد ، ويعزف لحن حياة جديدة !! ساقفل باب قبري علي ، وسأنتظر زوارا يقرأون لي الفاتحة بين الفينة والأخرى .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading