
بقلم ذة ربيعة حميحم
عدت بذاكرتي للوراء وأنا اجلس القرفصاء ، ودموعي منهمرة ، وابي يحكي لي أحداث زلزال أكادير المفجع الفتاك ، عاش والدي أحداثا جسيمة خلفت أثرا عميقا في نفسه ، لم تسطع السنون ان تمحوها !!!!
كان والدي رحمة الله عليه قد انتقل إلى أكادير ، ليشارك زملاءه إغاثة المنكوبين .
كانت الدنيا كلها دمار ، وطوب وحجارة ، كأن لم تَغْن بالأمس فقد جاءها أمر الله لتصبح حصيدا !!!! رائحة الموت في كل مكان ، صراخ وعويل ، حزن وأسى يملأ الدنيا لتتوشح بالسواد والحداد ، عصف الموت بكل شيئ . أرواح عديدة لبت نداء خالقها ، ومشردون في العراء وجرحى بالآلاف !!!!!
وبدأ أبي بكل حزن وأسى، يسترجع ذكريات أليمة : كان لابد ياابنتي من دفن الجثث المتراكمة ….. حفرنا حفرا عميقة ، يحشر الشهداء بداخلها …. سيدات بكامل حليهن ، يوارين الثرى ، سألت والدي ببراءة شديدة . لماذا لم تسلبهن الحلي يا أبي ؟؟؟!!!! استنكر أبي وبشدة ، معاذ الله ياربيعة ، كيف لي أن اقدم على هذه الفعلة الشنعاء ؟؟؟ !!!! ألا يكفي أن القدر سلبهن الحياة على حين غرة . أحسست حينها أن سؤالي كان غبيا ساذجا .
كان ذاك اليوم رمضان المبارك ، والرائحة شديدة وأجاز لنا جلالة الملك محمدنا الخامس بالإفطار ، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، لكنني أصررت على الصيام . لم أستطع الصمود حتما ، فارتشفت جرعة ماء ، أحسست وكأنها من نهر في الجنة ، لن أنسى أبدا ياابنتي صراخ ومنظر طفلة لا تتجاوز الثامنة من عمرها ، تستغيث وتنوح بعد أن فقدت كل أسرتها ، طفلة مكلومة ، وأناس مفجوعة ومناظر زادت جروحنا عمقا ، ونفوسنا حيرة وألما !!!!
هاهو التاريخ يعيد نفسه ، وهاهو إبني إبراهيم يذهب ضمن فريق الإنقاذ إلى مراكش ، ليلبي واجب الوطن … لو كان أبي حيا ، كان سيكون فخورا به أيما فخر هو ووالده رحمة الله عليهما جميعا … كان سينتظر صوره في الأخبار عله يراه …… فما أشبه الأمس باليوم …. وما شهدناه نحن بالأمس كان فظيعا ، أحداث تشيب لها الولدان ، وتقشعر لها الأبدان .