مقام البوح 8 – صناع الفرح

9 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي

لفرحة الأعراس طقوس وعادات وتقاليد تختلف حسب الأسر و المناطق و المصاهرات . تسبقها جلسات التشاور و التآمر أحيانا ، قصد التهيء لكل صغيرة و كبيرة طوال الأيام الثلاث أو الأربع للعرس .
بداية الفرح الحمام ، الحناء ثم
طقوس الهدية . ( بتسكين حرف الهاء ) مجموعة هدايا تقدم للعروس ( ملابس . أثات ، أضحية …) كانت الهدية لا تكتمل إلا بشرط تواجد صناع الفرح وأهازيجهم وأغانيهم المغربية المحلية الأصيلة طوال الطريق من منزل العريس إلى العروس في أمن و سلام و تبادل التبريكات و التهاني من عند المارة .
على مقربة من مولاي علي بوغالب كان الطريق سهلا للوصول إلى حي المرس . فضاء دائري تتوسطه نافورة بكراسي . ودكاكين صغيرة بأبواب قصيرة . علقت عليها بعض الآلات الموسيقية أو ( قشابات) ملابس جبلية تقليدية . هنا بهذا الفضاء فكر عشاق هذا الصنف الطربي الجبلي ( الغياطة ) أن يجتمعوا في محلات مجاورة . يتبادلون الأدوات الموسيقية و الأغاني و الأهازيج وقصص الغرامات . كان المرور من المرس بإتجاه حي الجامع السعيد أو لالة عائشة القجيرية .مرورا غريبا به من الزهو و التأمل الرهيب شيء كبير . تحس ولكأن الجميع يستقبلك بالأغاني و الفرح . أو أن هذا الحي قدره الإحتفال اليومي و نشر السعادة . تداريب و بروفات يومية . الصوت الجبلي يصدح من الغيطة التي لايوقفها إلا الآذان وأوقات الصلاة أو زبون . هنا مكان صناع الفرح . وهنا كان الإتفاق على الثمن و الأهازيج و المكان و مسار طواف الهدية . و إستقبال العروس و أهله .
الغياطة لم يكونوا لوحدهم من يؤثث الأعراس القصرية .
فالقصر الكبير المدينة، موطن تجمع أهالي و أهازيج كما يذكر الفنان الأستاذ جهاد البدوي في مؤلفه البحثي الموسيقي .
من المرس بإتجاه النيارين ، دكان صغير تعلوه يافطة صغيرة كتب عليها . ” الجوق البلدي” لازالت نفسها الى الآن . كان صوت الساكسفون و الآلات النحاسية يصدح أحيانا إعلانا بالخروج في مهمة بث و نشر السعادة . على حائط الدكان ملابس شبه عسكرية . زي موحد لجوقة الفرقة النحاسية ، التي تخصصت في إحياء الأعراس أحيانا . إلى جانب مسار الهدية . الكل يذكر ولد عيشة رحمه الله آخر الزمن الجميل .
ونحن أطفال كان مرور الفرقة النحاسية بإحتفالات عيد العرش و المناسبات الوطنية طقسا ينمي حسنا الوطني و يثير فينا الحماسة كلما إنصهرنا مع ضربات الطبول و الكاسكلير و الطرومبيط و الأغاني الحماسية الوطنية. جوقة بلباس أبيض مرصع بألوان حمراء أو عكسها في زي مخالف ثان . و قبعات عسكرية و ربطة عنق حمراء وقائد الفرقة يوزع الأدوار و الألحان و إنتقالات المقاطع مع حرصه على نظام و إنتظام المسير وفقط خطوط مستقيمة . بكل هذا الحرص والجدية كان الجوق البلدي بجميع أعضاءه يهدي المتعة ويسدلها بين الجميع .
لم تكن الأعراس مجرد عرس بهكذا نظام، كانت صنعة ملكية مثيرة .
ولأن المدينة محطة تواصل ووصال . إلتأمت فيها جموع النازحين ومن استقروا لسنوات عبر تاريخها القديم . كانت أسرة المعلم با ميلود . التي نهلت من التراث الكناوي الأصيل . ليالي كناوة طقس اعتيادي بدار با ميلود بالنيارين على مقربة من درب بو الربيع و شرطا أساسيا بدار المعلم الكناوي الكبير بدرب كناوة بالقرب من ساحة منزل الموسيقار عبد السلام عامر . الحرص الشديد على اللباس الأصيل الكناوي و إختلاف ألوانه حسب المواسم و طقوس الإحتفال ( العرس . الهدية . احتفال . الليلة . الحضرة … ) و الآلات الطبول و رسم الرموز و الكتابة على جلدها بالحناء . و القرقاب . و الشاشيات … مهمة المقدم ( رئيس الفرقة ).
مسار الهدية كان يتقدمه رجل قوي حكيم ، يحكم شد الذبيحة ( ثور او بقرة ) [ لعل سرها في القرابة الدموية بالمصاهرة أو التمسك بآصرة الطعام المشترك .] وراءه عربة مجرورة بحصان محملة بأطباق بها هدايا تتنوع وتختلف حسب الأسر يوحدها طبق تاريخي تراثي به حلوى و حناء و علك أصفر اللون و سكر و زريعة وفواكه جافة …
فرق صناع الفرح لم تختلف يوما على الترتيب . هكذا كنا نراها بكل الأفراح القيادة للفرقة النحاسية بقائدها أولا . تليها فرقة الغياطة و تراثها الجبلي . ثم أهازيج الكناوة المصاحبة بالرقصات الفلكلورية الكناوية . الأطفال على جنبات الطريق و المارة يحييون يبتسمون يباركون لأسرة العريس ومنهم من يشاركهم الرقص و يعود لحال سبيله . كان الوفاء بالمدينة الصغيرة للفرح وحبا لأهله .
غريب سحر و سر هذه الهدية تعددت أهازيجها وألحانها وتنوعت واختلفت وماشكلت نشازا .
الهدية صخب منظم منتظم و طروب .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب ومخرج مسرحي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading