محمد أكرم الغرباوي
لفرحة الأعراس طقوس وعادات وتقاليد تختلف حسب الأسر و المناطق و المصاهرات . تسبقها جلسات التشاور و التآمر أحيانا ، قصد التهيء لكل صغيرة و كبيرة طوال الأيام الثلاث أو الأربع للعرس .
بداية الفرح الحمام ، الحناء ثم
طقوس الهدية . ( بتسكين حرف الهاء ) مجموعة هدايا تقدم للعروس ( ملابس . أثات ، أضحية …) كانت الهدية لا تكتمل إلا بشرط تواجد صناع الفرح وأهازيجهم وأغانيهم المغربية المحلية الأصيلة طوال الطريق من منزل العريس إلى العروس في أمن و سلام و تبادل التبريكات و التهاني من عند المارة .
على مقربة من مولاي علي بوغالب كان الطريق سهلا للوصول إلى حي المرس . فضاء دائري تتوسطه نافورة بكراسي . ودكاكين صغيرة بأبواب قصيرة . علقت عليها بعض الآلات الموسيقية أو ( قشابات) ملابس جبلية تقليدية . هنا بهذا الفضاء فكر عشاق هذا الصنف الطربي الجبلي ( الغياطة ) أن يجتمعوا في محلات مجاورة . يتبادلون الأدوات الموسيقية و الأغاني و الأهازيج وقصص الغرامات . كان المرور من المرس بإتجاه حي الجامع السعيد أو لالة عائشة القجيرية .مرورا غريبا به من الزهو و التأمل الرهيب شيء كبير . تحس ولكأن الجميع يستقبلك بالأغاني و الفرح . أو أن هذا الحي قدره الإحتفال اليومي و نشر السعادة . تداريب و بروفات يومية . الصوت الجبلي يصدح من الغيطة التي لايوقفها إلا الآذان وأوقات الصلاة أو زبون . هنا مكان صناع الفرح . وهنا كان الإتفاق على الثمن و الأهازيج و المكان و مسار طواف الهدية . و إستقبال العروس و أهله .
الغياطة لم يكونوا لوحدهم من يؤثث الأعراس القصرية .
فالقصر الكبير المدينة، موطن تجمع أهالي و أهازيج كما يذكر الفنان الأستاذ جهاد البدوي في مؤلفه البحثي الموسيقي .
من المرس بإتجاه النيارين ، دكان صغير تعلوه يافطة صغيرة كتب عليها . ” الجوق البلدي” لازالت نفسها الى الآن . كان صوت الساكسفون و الآلات النحاسية يصدح أحيانا إعلانا بالخروج في مهمة بث و نشر السعادة . على حائط الدكان ملابس شبه عسكرية . زي موحد لجوقة الفرقة النحاسية ، التي تخصصت في إحياء الأعراس أحيانا . إلى جانب مسار الهدية . الكل يذكر ولد عيشة رحمه الله آخر الزمن الجميل .
ونحن أطفال كان مرور الفرقة النحاسية بإحتفالات عيد العرش و المناسبات الوطنية طقسا ينمي حسنا الوطني و يثير فينا الحماسة كلما إنصهرنا مع ضربات الطبول و الكاسكلير و الطرومبيط و الأغاني الحماسية الوطنية. جوقة بلباس أبيض مرصع بألوان حمراء أو عكسها في زي مخالف ثان . و قبعات عسكرية و ربطة عنق حمراء وقائد الفرقة يوزع الأدوار و الألحان و إنتقالات المقاطع مع حرصه على نظام و إنتظام المسير وفقط خطوط مستقيمة . بكل هذا الحرص والجدية كان الجوق البلدي بجميع أعضاءه يهدي المتعة ويسدلها بين الجميع .
لم تكن الأعراس مجرد عرس بهكذا نظام، كانت صنعة ملكية مثيرة .
ولأن المدينة محطة تواصل ووصال . إلتأمت فيها جموع النازحين ومن استقروا لسنوات عبر تاريخها القديم . كانت أسرة المعلم با ميلود . التي نهلت من التراث الكناوي الأصيل . ليالي كناوة طقس اعتيادي بدار با ميلود بالنيارين على مقربة من درب بو الربيع و شرطا أساسيا بدار المعلم الكناوي الكبير بدرب كناوة بالقرب من ساحة منزل الموسيقار عبد السلام عامر . الحرص الشديد على اللباس الأصيل الكناوي و إختلاف ألوانه حسب المواسم و طقوس الإحتفال ( العرس . الهدية . احتفال . الليلة . الحضرة … ) و الآلات الطبول و رسم الرموز و الكتابة على جلدها بالحناء . و القرقاب . و الشاشيات … مهمة المقدم ( رئيس الفرقة ).
مسار الهدية كان يتقدمه رجل قوي حكيم ، يحكم شد الذبيحة ( ثور او بقرة ) [ لعل سرها في القرابة الدموية بالمصاهرة أو التمسك بآصرة الطعام المشترك .] وراءه عربة مجرورة بحصان محملة بأطباق بها هدايا تتنوع وتختلف حسب الأسر يوحدها طبق تاريخي تراثي به حلوى و حناء و علك أصفر اللون و سكر و زريعة وفواكه جافة …
فرق صناع الفرح لم تختلف يوما على الترتيب . هكذا كنا نراها بكل الأفراح القيادة للفرقة النحاسية بقائدها أولا . تليها فرقة الغياطة و تراثها الجبلي . ثم أهازيج الكناوة المصاحبة بالرقصات الفلكلورية الكناوية . الأطفال على جنبات الطريق و المارة يحييون يبتسمون يباركون لأسرة العريس ومنهم من يشاركهم الرقص و يعود لحال سبيله . كان الوفاء بالمدينة الصغيرة للفرح وحبا لأهله .
غريب سحر و سر هذه الهدية تعددت أهازيجها وألحانها وتنوعت واختلفت وماشكلت نشازا .
الهدية صخب منظم منتظم و طروب .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب ومخرج مسرحي