
– محمد أكرم الغرباوي : كاتب و مخرج مسرحي
حمامة بهذا الإسم ترسخ في أذهاننا ، بجناح واحد يرفرف بين الجنبات ، كل صباح أول من يترجل مقهى السعادة، بتحيته المعتادة لثنائي الخدمة و الوفاء للإنسان قبل الزبون ، سي عبد القادر ، و سي العربي اللذان لم يكونا مجرد نادلين فقط . بالقرب من النافذة يجلس يحتسي قهوة في كوب طويل و قطع التشرو أو السفنج المطفي ( فطائر زيتية ) مع بداية مرور أولى أفواج التلاميذ . تبدأ رحلة الجمال وسط ساحة الحديقة .
الحديث عن رجل استثنائي إستطاع بخبرته و عفويته أن يحمي فضاء ظل مثيرا طوال كولونيالياته برفقة الفضاءات المحيطة به إلى أن أصابه الفكر الإسمنتي بعقم .
حمامة هكذا عرفناه أمينا حارسا ومربيا معلما موجها نصوحا طوال طفولتنا إلى جاء الخبر بعد غيابه الطويل . حمامة مات .
الأمين على ورود و بتلات وفسائل و أشجار و طيور و جلاس الحديقة رحل في صمت كأي نسر . رحل بعيدا و أنهى الطواف .
كثيرة هي الفترات التي كنا نستهوي فيها النظر إليه . و السفر بمخيلاتنا الطفولية إلى أفلام الإخلاص للوطن و الشجاعة و الإقدام و نكسات الحروب .
كان حمامة رحمة الله يتنقل واقفا شاخصا دون كلل برجل سليمة واحدة و أخرى أهداها للوطن . كما كان يقول لنا .
كنا نرسم الكثير من سيناريوهات الحادث . نربطها بالحروب العالمية و دروس التاريخ . وتارة بحرب الصحراء و مرات بم كنا نسمعه من رجال المقاومة و جيش التحرير بمركز ريتيروس د العسكر ( متقاعدي الجيش ) بالقرب من الولية الصالحة لالة عائشة الخضراء وهم يكررون حوادث حرب لاندوشين .
كان مشهد حارس جمال حديقة السويقة وهو يصول و يجول بين الجنبات الأربع أو جالس على كرسيه العالي أو يسقي الورود يجعلنا نمجد عمله . وكذا إستشهادات معلمتنا بالقسم بذكر إسمه وهي تحدثنا عن الرجولة و المروءة و المسؤولية و الكثير عن حب الوطن و خدمته دون تسويف أو تماطل .
يقولون أن هذا الرجل الإستثناء قام ببطولات تذكر و تحسب له لم نشاهدنا يومها .
لكنني الآن أشهد أن هذا الرجل طوال حياته وقف ضد كل من سولت له يداه و رجلاه و سلطته العبث بنبات أو ماء نافورة الحديقة ، أو تغيير معالمها الجمالية ، أن هذا الاستثنائي صاحب العصا الخشبية أخلص للشجرة العظيمة بالحديقة لتحجب الحر و تحمي الفضاء .
حمامة مات رحمه الله .
لكن السرب ظل لايفارق المكان ليؤرخ للزمن أن حمامة كان كاملا عاقلا أمينا أمام نقصنا و عجزنا و حمقنا إذ ضيعنا حديقة السويقة المفتوحة على مسرح بريس كالدوس و البنك الاسباني المغربي و درب صالفادوريس و بيلياميليتير و الكوميساريا و مقهى السعادة . فضاءات نذكرها وكأننا استأصلناها من ذاكرة جماعية بأسف وحيد .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب و مخرج مسرحي
