مقام البوح 6 حمامة ، مالك الجمال

7 أغسطس 2023

– محمد أكرم الغرباوي : كاتب و مخرج مسرحي

حمامة بهذا الإسم ترسخ في أذهاننا ، بجناح واحد يرفرف بين الجنبات ، كل صباح أول من يترجل مقهى السعادة، بتحيته المعتادة لثنائي الخدمة و الوفاء للإنسان قبل الزبون ، سي عبد القادر ، و سي العربي اللذان لم يكونا مجرد نادلين فقط . بالقرب من النافذة يجلس يحتسي قهوة في كوب طويل و قطع التشرو أو السفنج المطفي ( فطائر زيتية ) مع بداية مرور أولى أفواج التلاميذ . تبدأ رحلة الجمال وسط ساحة الحديقة .
الحديث عن رجل استثنائي إستطاع بخبرته و عفويته أن يحمي فضاء ظل مثيرا طوال كولونيالياته برفقة الفضاءات المحيطة به إلى أن أصابه الفكر الإسمنتي بعقم .
حمامة هكذا عرفناه أمينا حارسا ومربيا معلما موجها نصوحا طوال طفولتنا إلى جاء الخبر بعد غيابه الطويل . حمامة مات .
الأمين على ورود و بتلات وفسائل و أشجار و طيور و جلاس الحديقة رحل في صمت كأي نسر . رحل بعيدا و أنهى الطواف .
كثيرة هي الفترات التي كنا نستهوي فيها النظر إليه . و السفر بمخيلاتنا الطفولية إلى أفلام الإخلاص للوطن و الشجاعة و الإقدام و نكسات الحروب .
كان حمامة رحمة الله يتنقل واقفا شاخصا دون كلل برجل سليمة واحدة و أخرى أهداها للوطن . كما كان يقول لنا .
كنا نرسم الكثير من سيناريوهات الحادث . نربطها بالحروب العالمية و دروس التاريخ . وتارة بحرب الصحراء و مرات بم كنا نسمعه من رجال المقاومة و جيش التحرير بمركز ريتيروس د العسكر ( متقاعدي الجيش ) بالقرب من الولية الصالحة لالة عائشة الخضراء وهم يكررون حوادث حرب لاندوشين .
كان مشهد حارس جمال حديقة السويقة وهو يصول و يجول بين الجنبات الأربع أو جالس على كرسيه العالي أو يسقي الورود يجعلنا نمجد عمله . وكذا إستشهادات معلمتنا بالقسم بذكر إسمه وهي تحدثنا عن الرجولة و المروءة و المسؤولية و الكثير عن حب الوطن و خدمته دون تسويف أو تماطل .
يقولون أن هذا الرجل الإستثناء قام ببطولات تذكر و تحسب له لم نشاهدنا يومها .
لكنني الآن أشهد أن هذا الرجل طوال حياته وقف ضد كل من سولت له يداه و رجلاه و سلطته العبث بنبات أو ماء نافورة الحديقة ، أو تغيير معالمها الجمالية ، أن هذا الاستثنائي صاحب العصا الخشبية أخلص للشجرة العظيمة بالحديقة لتحجب الحر و تحمي الفضاء .
حمامة مات رحمه الله .
لكن السرب ظل لايفارق المكان ليؤرخ للزمن أن حمامة كان كاملا عاقلا أمينا أمام نقصنا و عجزنا و حمقنا إذ ضيعنا حديقة السويقة المفتوحة على مسرح بريس كالدوس و البنك الاسباني المغربي و درب صالفادوريس و بيلياميليتير و الكوميساريا و مقهى السعادة . فضاءات نذكرها وكأننا استأصلناها من ذاكرة جماعية بأسف وحيد .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب و مخرج مسرحي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading