يوميات معتقل سابق ما بعد الطرد .

5 أغسطس 2023

ذ. ادريس حيدر

بعد أن تم طردي رسميا من اسلاك الإدارة العمومية ، لا لشيء إلا لكوني آمنت بقيم فضلى ، و ناضلت كما غيري من أبناء الشعب من أجل تنزيلها على أرض الواقع ، و بالتالي اختلفنا مع الحاكمين في اختياراتهم السياسية .
فكان إذن جزائي السجن لمدة ليست بالقصيرة ‘، و قبله الاعتقال القسري و التعسفي و التعذيب ، و أخيرا توج كل ذلك بطردي من العمل أي بتجويعي .
فكرتُ مليا في المصير المظلم الذي كان ينتظرني ، غير أنني اهتديتُ في الاخير ، إلى اختيار مهنة ” المحاماة” ملاذا لي ، هذه الأخيرة ستكون ، لا محالة ، الجسر الذي من خلاله سأستمر في ممارسة قناعاتي الفكرية و السياسية بعيدا عن التهديد الدائم بالطرد من العمل و التشريد.
كما أنني كنتُ قد اصبختُ مقتنعا بأن هذه المهنة كانت و لازالت ، و بالرغم من الاستهداف الذي تتعرض له من طرف جهات عدة ، كالصخرة التي تتكسر عليها أطماع الطامعين و مغامرات المغامرين و دسائس المتآمرين .
و ادركتُ قبل هذه الأحداث أنها و في نفس الآن ، مهنة الكرامة ، الحرية و الكفاح .و هي محصنة بتقاليد تسمو و ترقى بها إلى أن تصبح مهنة نبيلة .
و اقتنعتُ كذلك أنني سأكون المحامي الذي سيناهض الفساد و الظلم في البلاد ، و سأساءل الدولة عن استبدادها و جورها و عدم توزيعها لثروات البلاد بشكل عادل ، و سأطالبها بتنزيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب للجناة و سارقي المال العام .
و سادافع عن الحريات و اتصدى للاعتقال التعسفي الخارج عن نطاق القانون ، و عن الاختطاف و كذا ساناضل من أجل وضع حد للاعتقال السياسي أو للراي.
و قد اتهم الدولة بخرقها للمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان و ممارساتها الحاطة بكرامة البشر ك: التعذيب.
و سأحاول بمعية زملائي المحامين الشرفاء رسم لوحات بديعة من أجل كرامة المواطن و الدفاع عن الولوج المستنير للعدالة .
و سأوقع بجبتي السوداء – حزنا على وأد العدالة – على الانتصار للحق .
هذه المضامين نفسها و القيم ذاتها هي التي جعلت ملك فرنسا ” لويس الرابع عشر ” يقول :
” لو لم اكن ملكا لفرنسا ، لوددت ان اكون محاميا ”
كذلك كتب ذات يوم فيلسوف” الانوار” ” فولتير ” :
” كنت اتمنى ان اكون محاميا ،لان المحاماة أجمل مهنة في العالم ”
و إذن قررت الإنتساب لمهنة ” المحاماة” بالخلفيات المذكورة ، و قد ساعدني و شجعني في اتخاذ القرار و الحسم فيه ، أخ لم تلده أمي، و هو العزيز : محمد السكتاوي .
إلا أن انتسابي لهذه المهنة لم يكن هو الآخر سهلا ، و خذتُ بسببه نضالا قضائيا شرسا ، حيث وصل ملفي القاضي بانتسابي لهذه المهنة إلى محكمة النقض .
و في الأخير ربحت المعركة القضائية و القانونية، و اصبحت محاميا.

انتهى .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading