ذ. ادريس حيدر
بعد أن تم طردي رسميا من اسلاك الإدارة العمومية ، لا لشيء إلا لكوني آمنت بقيم فضلى ، و ناضلت كما غيري من أبناء الشعب من أجل تنزيلها على أرض الواقع ، و بالتالي اختلفنا مع الحاكمين في اختياراتهم السياسية .
فكان إذن جزائي السجن لمدة ليست بالقصيرة ‘، و قبله الاعتقال القسري و التعسفي و التعذيب ، و أخيرا توج كل ذلك بطردي من العمل أي بتجويعي .
فكرتُ مليا في المصير المظلم الذي كان ينتظرني ، غير أنني اهتديتُ في الاخير ، إلى اختيار مهنة ” المحاماة” ملاذا لي ، هذه الأخيرة ستكون ، لا محالة ، الجسر الذي من خلاله سأستمر في ممارسة قناعاتي الفكرية و السياسية بعيدا عن التهديد الدائم بالطرد من العمل و التشريد.
كما أنني كنتُ قد اصبختُ مقتنعا بأن هذه المهنة كانت و لازالت ، و بالرغم من الاستهداف الذي تتعرض له من طرف جهات عدة ، كالصخرة التي تتكسر عليها أطماع الطامعين و مغامرات المغامرين و دسائس المتآمرين .
و ادركتُ قبل هذه الأحداث أنها و في نفس الآن ، مهنة الكرامة ، الحرية و الكفاح .و هي محصنة بتقاليد تسمو و ترقى بها إلى أن تصبح مهنة نبيلة .
و اقتنعتُ كذلك أنني سأكون المحامي الذي سيناهض الفساد و الظلم في البلاد ، و سأساءل الدولة عن استبدادها و جورها و عدم توزيعها لثروات البلاد بشكل عادل ، و سأطالبها بتنزيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب للجناة و سارقي المال العام .
و سادافع عن الحريات و اتصدى للاعتقال التعسفي الخارج عن نطاق القانون ، و عن الاختطاف و كذا ساناضل من أجل وضع حد للاعتقال السياسي أو للراي.
و قد اتهم الدولة بخرقها للمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان و ممارساتها الحاطة بكرامة البشر ك: التعذيب.
و سأحاول بمعية زملائي المحامين الشرفاء رسم لوحات بديعة من أجل كرامة المواطن و الدفاع عن الولوج المستنير للعدالة .
و سأوقع بجبتي السوداء – حزنا على وأد العدالة – على الانتصار للحق .
هذه المضامين نفسها و القيم ذاتها هي التي جعلت ملك فرنسا ” لويس الرابع عشر ” يقول :
” لو لم اكن ملكا لفرنسا ، لوددت ان اكون محاميا ”
كذلك كتب ذات يوم فيلسوف” الانوار” ” فولتير ” :
” كنت اتمنى ان اكون محاميا ،لان المحاماة أجمل مهنة في العالم ”
و إذن قررت الإنتساب لمهنة ” المحاماة” بالخلفيات المذكورة ، و قد ساعدني و شجعني في اتخاذ القرار و الحسم فيه ، أخ لم تلده أمي، و هو العزيز : محمد السكتاوي .
إلا أن انتسابي لهذه المهنة لم يكن هو الآخر سهلا ، و خذتُ بسببه نضالا قضائيا شرسا ، حيث وصل ملفي القاضي بانتسابي لهذه المهنة إلى محكمة النقض .
و في الأخير ربحت المعركة القضائية و القانونية، و اصبحت محاميا.
انتهى .