ذ حسن شروي
غالبا ما اتجنب المرور من الشارع الرئيسي لحومة البريو المفضي للمرينة ثم نفقها قصد جولة سياحية في أرجاء مدينتنا أو قضاء أغراض أو لقاء أصدقاء لي معهم موعدا حتى لا أعيش حزنا ومخاض أسئلة تحاصرني كلما مررت بجانب بيتنا الذي أصبح في ملك الغير.
لا اتخلص منهما الا بلقاء صديق يرافقني في الطريق يخرجني من دوامة الحزن والأسئلة ونحن ندخل منعرج الكرة وفرقها وتوابعها.
رغم تغيير المالك الجديد لشكل البيت جذريا لن يغير شكل مرافقه التي ستظل راسخة في ذاكرتي والتي احتضنتي منذ ولادتي إلى مرحلة طفولتي.
اتذكر جيدا الغرفة التي ولدت فيها ومقعد التجمع العائلى وسطح الغسيل وزاوية اللاقط الهوائي وملجئنا صيفا هروبا من الحرارة ، والمطبخ السفلي الذي يتناوب فيه ابي وامي إعدادا لفطوري واخوتي قبل الذهاب إلى مدرسة التوحيد الأقرب لبيتنا.
البيت ليس جدرانا يحمينا من قساوة البرد والحر فقط، انه أعمق من ذلك بكثير، فهو حياة مفحمة بالمشاعر التي عشناها ونحن أطفال أبرياء مع آبائنا واخوتنا، انه المشترك اليومي للحياة بحلوها ومرها.
البيت. الحومة.. الوطن.. هوية الإنسان، حياته الطبيعية، فحتى الذين يهاجرون كرها ما وراء البحار يعيشون ذكريات بيوتهم وحومتهم ووطنهم في بلاد الغربة وهم منعزلون أو مجتمعون..
اه كم أتصورالم اخوتنا الفلسطينيين وبيوتهم تهدم أو تفرغ بالقوة الهمجية اللإنسانية ليستوطنها صهاينة توسيعا لرقعة الاستعمار وتغييرا للبنية السكنية والسكانية لأهل أرض فلسطين.
اتذكر حزن أهلنا المغاربة الذين طردوا من بيوتهم صباح يوم عيد الأضحى بالجزائر، تصوروا حجم قساوة عسكر وحكام جارتنا وهم يفرقون اسرا مغربية جزائرية بنوا واسسوا حلم حياتهم هناك ليجدوا أنفسهم منفصلين مطرودين بلا رحمة ولا إنسانية.
إذا كنت أتألم لتغيير معالم بيتنا القديم للمالك الجديد الذي يحق له ذلك فما بالك من الذين تهدم بيوتهم ويطردون بالقوة و الهمجية.
البيت ذاكرةتاريخ لاحداث ستظل موشومة في وجدانك وعقلك مهما غيرت الزمكان الذي تعيشه.
بين جدران البيوت الاسمنتية اسرار تروى وأخرى ترحل معنا بعيدا نعيشها لذواتنا لا يفهمها الاخرون.
