يوميات معتقل سابق (26) رجال رائعون.

14 مايو 2023

ذ . ادريس حيدر : 

الإقامة في السجن لمدة محددة برفقة أشخاص من مختلف المشارب ، يعد بمثابة العيش في مجتمع صغير أو زنقة في إحدى حارات المدن القديمة او حي هامشي في إحدى العواصم الكبيرة .
و قد يتميز بعض الأشخاص بطباعهم الرائعة و بمزاياهم و مهاراتهم الملفتة للنظر و المثيرة للإعجاب.
و هكذا كان أحد الرفاق في ” لجنة الحوار ” قد ابان على علو كعبه في الحوار مع إدارة السجنين ( لعلو – و العواد ) بغية تحقيق مكاسب نوعية يستفيد منها المعتقلون.
كان الرجل يتمتع بهدوء إيجابي و سمو في الأخلاق، و قدرة هائلة على الإقناع و إسناد المطالب بتعليل و تحليل قويين و بمنطق سليم ، فضلا عن روحه الطيبة و ملامح وجهه المطمئنة و المريحة و لم يكن سوى المناضل / الإنسان و الحقوقي الشامخ و الشاعر الماتع : “محمد السكتاوي ” .
كذلك اكتشفت بمعية باقي المعتقلين أحد الرفاق ، الذي كان يتمتع بقدرات هائلة على التنشيط و التنظيم و تأطير المعتقلين و تنظيم حصص الرياضة لفائدتهم. و كان يسطر برامج رياضية لكل اسبوع . و يعتبرها أساسية للجسم و العقل و تساعد على التحمل ، و مقاومة الرطوبة و اضرارها على الجسد ، كما أنها تساعد على رفع منسوب السعادة و الارتياح لدى المسجون .
من جهة أخرى كان لرفيقين آخرين الفضل في تجميع المؤونة التي كانت الأسر تعدها لأبنائها المعتقلين، و توزيعها بشكل عادل عليهم .
فضلا عن ذلك ، كانا يسهران على تسخين الوجبات ، درءاً لتناولها باردة مع ما تلحقه من أضرار بالمعتقل ، حيث يُصاب بأوجاع في معدته و امعائه .
كل هذه الممارسات الرائعة كانت تجعل التضامن و التآزر بين المعتقلين أكثر قوة و مثانة ، مما كان يميزهم عن غيرهم باخلاقهم و قناعاتهم الرفيعة التي هي جزء من شخصية و مسلكيات المعتقلين المناضلين .
و لا أنسى، أنه و كلما كانت لأحد المعتقلين زيارة للأهل و الأحباب، و خرج من المزار حزينا ، إلا و توقع باقي المعتقلين ، أن رفيقهم تلقى أخبار عائلية مزعجة .
فكان البعض يتطوع و يقضي بعض الوقت في مصاحبته من أجل رفع معنوياته محاولا التخفيف عنه و إعطاءه بعض الأمل في مستقبل ينتظره زاهرا ، و يصبح و كأنه ” كوش” يرافقه و يساعده على الخروج من نفق مظلم .
و كان يلازم و يرافق كل تلك المحطات و الوقائع ، بعض الرفاق ذوو الروح المرحة و الطيبة ، و الذين كانوا يخلقون مساحات من المتعة و الفرح و الانتشاء في تلك الحياة الصعبة خلف الأسوار العالية للقلاع الاسمنتية.
و كان البعض ، كلما شعر بالحزن يجثم على صدور المعتقلين ، يردد بعض الأبيات من قصيدة شاعر ” الخضراء ” ، ” أبو القاسم الشابي ” :

إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر

و لا بد للليل أن ينجلي
و لا بد للقيد أن ينكسر

و من لم يعشق صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر

يتبع…

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading