ذ . ادريس حيدر :
الإقامة في السجن لمدة محددة برفقة أشخاص من مختلف المشارب ، يعد بمثابة العيش في مجتمع صغير أو زنقة في إحدى حارات المدن القديمة او حي هامشي في إحدى العواصم الكبيرة .
و قد يتميز بعض الأشخاص بطباعهم الرائعة و بمزاياهم و مهاراتهم الملفتة للنظر و المثيرة للإعجاب.
و هكذا كان أحد الرفاق في ” لجنة الحوار ” قد ابان على علو كعبه في الحوار مع إدارة السجنين ( لعلو – و العواد ) بغية تحقيق مكاسب نوعية يستفيد منها المعتقلون.
كان الرجل يتمتع بهدوء إيجابي و سمو في الأخلاق، و قدرة هائلة على الإقناع و إسناد المطالب بتعليل و تحليل قويين و بمنطق سليم ، فضلا عن روحه الطيبة و ملامح وجهه المطمئنة و المريحة و لم يكن سوى المناضل / الإنسان و الحقوقي الشامخ و الشاعر الماتع : “محمد السكتاوي ” .
كذلك اكتشفت بمعية باقي المعتقلين أحد الرفاق ، الذي كان يتمتع بقدرات هائلة على التنشيط و التنظيم و تأطير المعتقلين و تنظيم حصص الرياضة لفائدتهم. و كان يسطر برامج رياضية لكل اسبوع . و يعتبرها أساسية للجسم و العقل و تساعد على التحمل ، و مقاومة الرطوبة و اضرارها على الجسد ، كما أنها تساعد على رفع منسوب السعادة و الارتياح لدى المسجون .
من جهة أخرى كان لرفيقين آخرين الفضل في تجميع المؤونة التي كانت الأسر تعدها لأبنائها المعتقلين، و توزيعها بشكل عادل عليهم .
فضلا عن ذلك ، كانا يسهران على تسخين الوجبات ، درءاً لتناولها باردة مع ما تلحقه من أضرار بالمعتقل ، حيث يُصاب بأوجاع في معدته و امعائه .
كل هذه الممارسات الرائعة كانت تجعل التضامن و التآزر بين المعتقلين أكثر قوة و مثانة ، مما كان يميزهم عن غيرهم باخلاقهم و قناعاتهم الرفيعة التي هي جزء من شخصية و مسلكيات المعتقلين المناضلين .
و لا أنسى، أنه و كلما كانت لأحد المعتقلين زيارة للأهل و الأحباب، و خرج من المزار حزينا ، إلا و توقع باقي المعتقلين ، أن رفيقهم تلقى أخبار عائلية مزعجة .
فكان البعض يتطوع و يقضي بعض الوقت في مصاحبته من أجل رفع معنوياته محاولا التخفيف عنه و إعطاءه بعض الأمل في مستقبل ينتظره زاهرا ، و يصبح و كأنه ” كوش” يرافقه و يساعده على الخروج من نفق مظلم .
و كان يلازم و يرافق كل تلك المحطات و الوقائع ، بعض الرفاق ذوو الروح المرحة و الطيبة ، و الذين كانوا يخلقون مساحات من المتعة و الفرح و الانتشاء في تلك الحياة الصعبة خلف الأسوار العالية للقلاع الاسمنتية.
و كان البعض ، كلما شعر بالحزن يجثم على صدور المعتقلين ، يردد بعض الأبيات من قصيدة شاعر ” الخضراء ” ، ” أبو القاسم الشابي ” :
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
و لا بد للليل أن ينجلي
و لا بد للقيد أن ينكسر
و من لم يعشق صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
يتبع…