ملف خاص حول الملحن الراحل عبد السلام عامر بمناسبة الذكرى 44 لوفاته

4 مايو 2023

بقلم: عبد القادر أحمد بن قدور 
في بداية عهد الاستقلال للمغرب ومن جملة ما برز في الوجود، نهضة فنية موسيقية متميزة ومعبرة عن أصالة في اللحن المغربي المجدد بنهضة تواقة إلى الابتكار والإبداع الخلاق برجال توجوا بأعمالهم وجهودهم الموسيقية العديدة، وبصمتهم المغربية التواقة إلى الجديد، ظهرت جلية في أعمال عديدة، وإذ نتذكر من كان وراءها، نجد إسم فنان كبير غاب عن هذه الدنيا وترك عطاءاته ببصماته النادرة في الزمن المغربي، إنه الموسيقار الكبير الراحل عبد السلام عامر، رائد الموسيقى المغربية الحديثة، ولا نبالغ إذا قلنا إنه: (عبقري قح للموسيقى المغربية) الذي وافته المنية في يوم الإثنين 17 جمادى الثانية عام 1399هـ، الموافق لـ 14 ماي سنة 1979م بمستشفى ابن سينا بالرباط، بعد عملية جراحية أجريت له، رغم أنه كان مصابا بداء السكري، ونقل جثمانه إلى مدينة الدار البيضاء، ودفن بمقبرة الشهداء، بدلا من مسقط رأسه مدينة القصر الكبير التي ازداد فيها، بإقليم العرائش شمال المملكة المغربية، وكان قد دخل الكتاب وحفظ القرآن الكريم، ثم تابع دراسته الابتدائية والثانوية إلى مستوى السنة الخامسة ثانوي (النظام القديم)، وهو حاصل على الشهادة الابتدائية والثانوية (البروبي) ويُتْقِن اللغة الإسبانية…
وقد عرف منذ صغره بذكائه الحاد وسرعة البديهة وموهبة الحفظ لكل ما يسمعه من معارف أدبية وفنية للمرة الثانية أو الثالثة على ابعد تقدير، وقد اشتهر بحفظه عن ظهر قلب للعديد من القطع الغنائية الشرقية والمغربية، كالموسيقى الأندلسية، والطرب الغرناطي والأمداح النبوية، وفن السماع والتجويد والإنشاد عن طريق الزوايا والإذاعة، وهو يحفظ الكثير من قصائد الملحون.
هذا، وقد مارس الشعر والمسرح وفن التلحين بموهبته الفائقة والفذة، لا يعرف العزف على أية آلة موسيقية، لم يولد أعمى، ولكن هذه العاهة أصابته منذ صغره ورافقته طول حياته حتى وفاته.
وأعماله الفنية الأولى كانت من إنتاجه كلمة ولحنا وأداء، وأول قطعة سجلها بصوته هي قصيدة ((رمضان)) ثم تلتها قصيدة ((قالت لي روح)) وبعدهما قطعة زجلية بعنوان ((مبان خيال حبيبي الغالي)) وقطعة ((الساقية والبير)) وقد سجلت هذه الأغاني بالإذاعة الجهوية آنذاك لمدينة طنجة عاصمة البوغاز، ولقيت نجاحا جيدا، غير أن عبد السلام عامر خلال مرحلته الثانية ولونه الشعري الفني الجديد قرر وآمن على الرغم من صوته الجميل التشبث بقضية الاختصاص أي التلحين فقط، رغم وأنني صغير حضرت له وهو يغني مع جوق الإذاعة المغربية بقاعة سينما أسطوريا بمدينة القصر الكبير المجيدة والعريقة والوطنية الحقة، وهو واقف يلوح بيديه وصوته الجوهري يغني ويطرب به كل الحاضرين والحاضرات، وجمهور هذه المدينة الغيورة يشجعه باقتدار كبير…
أما المرحلة الإبداعية الثانية فقد استهلها بقصيدة ((آخر آه)) للشاعر المجدد والمرحوم بالرحمات الواسعة محمد الخمار الكنوني بأداء المطرب الموهوب عبد الوهاب الدكالي، وبعد صراع مر يرمع معارضيه في الإذاعة المركزية بالرباط سجلت بالإذاعة الجهوية بمدينة فاس برئاسة الفنان الكبير أحمد الشجعي، وبعدها جاءت قطعة شعرية أخرى بعنوان: ((حبيبتي)) لنفس الثلاثي وسجلت كذلك مع جوق الإذاعة الجهوية لمدينة فاس برئاسة الفنان أحمد الشجعي، وقد لقيت هذه الأغنية الرائعة نجاحا منقطع النظير كسابقتها ((آخر آه)) وتعدى صيتها حدود الوطن ليصل إلى دول المغرب العربي كخطوة أولى، ولكن للأسف الشديد قد توقف العمل بين هذا الثلاثي الرائع لظروف مجهولة.
هذا، ولابد من الذكر أن الله قد منحه فكرا ثاقبا وموهبة في الأدب، حيث كتب المسرحية والقصة وتعمق في الفن الخالص والخالد، وله ذاكرة حادة تحفظ كل ما تلتقطه أذناه من أدب وفن وأغاني شرقية ومغربية وموسيقى عالمية لروادها الخالدين في دنيا اللحن الراقي والعذب والسمفونية الخالدة.
ومن الدليل على ذلك ما ذكره المرحوم والأستاذ المسرحي الكبير عبد القادر البدوي لما أشرف على جولة قامت بها الفرقة القومية المصرية بالمغرب وبالمناطق الشمالية في أواخر الخمسينيات الماضية، حيث استحضر حادثا وقع بمدينة القصر الكبير، عندما كانت الفرقة تعرض مسرحية ((مجنون ليلى)) في مسرح مليء عن آخره، وكانت أمينة رزق الفنانة الكبيرة المرحومة والراحلة التي جسدت دور ليلى، تحاور قيس الذي قام بتشخيص دوره الممثل فاخر محمد فاخر، وخلال هذه الثنائية الشعرية كان صوت ثالث يصدر من بين الجمهور ينشد معهما الشعر بصوت رخيم وإلقاء جيد وقراءة معبرة، وانتظرنا توقفه إلا أنه ظل يلازم الإلقاء وهو متمكن من النص حافظا له، إذاك أوقفنا العرض وبحثنا داخل القاعة بين الجمهور عن مصدر الصوت لنكتشف أنه المرحوم الفنان الكبير الراحل عبد السلام عامر يقول البدوي المرحوم بالرحمات الواسعة.
غير أن الموسيقار عبد السلام عامر استطاع بحسه المرهف وبحثه الرصين الوصول إلى شاعر موهوب رقيق الشعور والإحساس هو الأستاذ الجليل عبد الرفيع الجوهري الذي اخترق مع عامر الحدود والآفاق بالكلمة واللحن والأداء، كانت أعمالا وستظل في مجملها باقة ورد تسحر العقول والقلوب.
كما اختار عبد السلام عامر للمرحلة الثالثة من عطائه الرائع والمتميز التعامل مع صفوة من الأصوات الجميلة والمتمكنة كالمطرب الكبير عبد الهادي بلخياط، والمطرب المتألق المرحوم عبد الحي الصقلي، والفنان الموهوب الراحل المرحوم إسماعيل أحمد وعصفورة الشرق الفنانة الراحلة سعاد محمد والفنانة المقتدرة الراحلة بهيجة إدريس، ومجموعة أخرى من الفنانين والفنانات لا يتسع المجال لذكرهم.
مصادر الألحان العامرية وطبيعتها
يمكن تحديد مصادر الألحان العامرية في موروثنا الموسيقى الذي تفاعلت في تكوينه عدة أنماط وتقاليد موسيقية يزخر بها فلكلورنا المغربي من الأهازيج الموسيقية التاريخية، والموسيقى الزوائية، من أمداح وتراتيل ورقصات مختلفة وغيرها. وقد اعتمد في تكوين قواميسه اللحنية على استلهام الفلكلور المغربي المتميز، بتعدد أنماطه وتنوعها من منطقة إلى أخرى، فتأثر بالألحان البربرية المتمثلة في الأغنية الريفية بالشمال الشرقي خاصة، والأمازيغية في الأطلس، والألحان السوسية في جنوب المغرب، درعة وسوس، والألحان الحسانية في أقاليمنا الصحراوية، كما لعبت باقي التقاليد الموسيقية في فلكلورنا العربي بالمغرب أثرا في شخصيته منذ بداياته (العيطة) والطقطوقة الجبلية الموسيقية، وقد كان لهذه الأنماط الموسيقية دورا كبيرا في توجيه موهبته الموسيقية، لأن هذا الفنان الكبير عاش وسط أجواء الشمال.
التحاقه بالإذاعة:
في سنة 1959م التحق بالإذاعة، ليقدم أول إنتاجه الغنائي، وهو أغنيتان، الأولى (قالت لي روح) و(مبان خيال حبيبتي) وهما من كلماته وألحانه وأدائه كذلك، وقد سجل أغنية (السانية والبير) للحسين السلاوي الشهيرة بصوته، وتعد هذه الأغاني من محاولاته الأولى للانطلاق في عالم الفن والموسيقى الخالدة.
وقد التجأ عبد السلام عامر إلى إذاعة فاس في بداية الستينيات، حيث سجل بها أغانيه، ومنها (حبيبتي) و(آخر آه) من شعر الشاعر الراحل والرائد المتألق وهو من رواد الشعر الحديث بالمغرب محمد الخمار الكنوني، فكأننا نحثنا ظاهرتان في الموسم الفني، وكان فتحا جديدا بالنسبة إلى الأغنية المغربية الحديثة.

وقد ذهبت آراء بعض المتتبعين إلى أن السبب في قبول أغانيه بالإذاعة المركزية بالرباط آنذاك هو كون هذه الأغاني من شعر أحد العاملين بهذه الإذاعة، ألا وهو الشاعر محمد الخمار الكنوني، صديقه وابن مدينته الذي كان يعمل مذيعا بدار البريهي بالرباط، وكذلك بمساعدة الأستاذ الموسيقي المتمكن المرحوم إدريس الشرادي.
ومهما كانت الطريقة التي دخل بها، بأولى أغانيه، إلى الإذاعة المركزية بالرباط، فإن الفنان عبد السلام عامر اعترف في حواره مع إذاعة طنجة سنة 1974م بأن إذاعة الرباط رفضت التعامل معه في أغانيه الأولى حتى تم تسجيلها بإذاعة فاس الجهوية، وهذا ما جعلني مستاء من بعض المسؤولين على إذاعتنا المركزية سامحها الله كما ذكر.
هذا، وقد حقق الموسيقار عبد السلام عامر نجاحا باهرا في عالم التلحين واعترف به جميع أهل الطرب والغناء، كما رددت أعماله الملايين من المستمعين والهواة والمحترفين، غير أن هذا النجاح تعرض لنكسة ومحنة أسكتت وأوقفت نشاط هذا الفنان الملحن العملاق لمدة من الزمن حتى ظهر الحق وصدر العفو.
لقد سافر عبد السلام عامر إلى مصر ((بالقاهرة)) مع عبد الهادي بلخياط والمرحوم عبد الحي الصقلي برا عبر المغرب العربي آنذاك بقصد التواصل الفني ونشر الأغنية المغربية عربيا بها، واتصل بموسيقار الأجيال المرحوم الأستاذ الكبير محمد عبد الوهاب، وقدم له رفقة أصدقائه ((سمفونية القمر الأحمر)) شعر عبد الرفيع الجوهري وغناء عبد الهادي بلخياط والفنانة بهيجة إدريس، فاستمع إليها عبد الوهاب مرتين، فأعجب وتعجب من روعة ودقة وجودة هذا العمل الفريد والباهر والخلاق وقال: ((يشرفني أن أسمع هذا العمل الفني الجميل في خزانتي الموسيقية)).
اجتاز عبد السلام عامر خلال تواجده بمصر اختبارا في ميدان التلحين ليقبل كملحن ويصنف في الدرجة التي يستحقها، وبعد سماع اللجنة لألحانه رقته فورا إلى الدرجة الأولى مع كبار ملحني الشرق العربي.
تعرف عبد السلان عامر على عدة فعاليات في ميدان الموسيقى والطرب وفن الغناء، فتعلم واستفاد وقدم منتوجه وأجاد كثيرا، ومر بالعديد من الأحداث والوقائع علمته معنى الحياة، ثم عاد إلى أرض الوطن وفي حقيبته جديد الأعمال: وطنية – عاطفية – دينية – اجتماعية…
الألحان العامرية ومغنوها:
إذا كان الأداء في الغناء يعتمد عادة على مغن منفرد أو مغن ومجموعة مرددة ((الكورال)) أو تكون مجموعة فقط، كما يعتمد كذلك على المعزوفة الموسيقية المرافقة للغناء، فإنه يلاحظ أن أغلب المغنين المغاربة، إن لم أقل كلهم، من الهواة الموسيقيين، ولكن تتفاوت مواهبهم وقدراتهم.
غير أن بعضهم استطاع صقل تجربته إلى أن وصل إلى دراية وحنكة بتنغيم صوته وتمرينه، وخاصة منهم أولئك الذين عندهم حس موسيقي مرهف ورغبة في تسخير صوتهم لخدمة الأغنية المغربية، مما ساعدهم على التغلب على الصعوبات التكتيكية في الغناء، هؤلاء المغنون قلة وهم يؤلفون الذروة في الغناء المغربي.
ويمثل هذه الفئة في ساحتنا الفنية فرسان الأغنية المغربية الثلاثة: عبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدكالي ومحمد الحياني… فهم الذين تألقوا وقاموا بأدوار طلائعية للرفع من مستوى الأداء في الأغنية المغربية في الستينيات والسبعينيات الماضية، وهي الفترة التي شهدت روائع الموسيقار الكبير واللامع عبد السلام عامر، الذي كان يشق طريقه بنجاح في مجال التلحين المغربي.
وكان اختيار عامر للأصوات التي أدت أغانيه بناء على مقاييس، حيث أسند كل قطعة إلى المغني أو المغنية ممن تناسب مساحته الصوتية المقامات اللحنية للقطعة المغناة وهي أصوات يمكن تقسيمها إلى قسمين: أصوات رجولية وأصوات نسائية.
فمن الأصوات الرجولية عبد الوهاب الدكالي، الذي غنى لقصيدة (آخر آه) و(حبيبتي) حيث تفاعل صوته الهادئ والدافئ معهما في هذه المرحلة، مع المنظور الجديد الذي أراده عامر للأغنية المغربية باعتبارها نابعة من مركبات موسيقية وطنية يزخر بها تراثنا الموسيقي المغربي من موسيقى أندلسية وشعبية وفلكلورية. فكان هذا المسار الذي سلكته الألحان العامرية في هذا الخضم الهائل من الأهازيج والإيقاعات المتعددة والمعقدة، وأخيرا الهروب من تلك التبعية لموسيقى الشرق، رغم تأثيرها على موهبة الفنان عامر.
كما كان فنان الحنجرة الذهبية عبد الهادي بلخياط قد أدى له روائع غنائية هامة، منها: ((القمر الأحمر)) للشاعر الكبير عبد الرفيع الجوهري، و((تعالي)) للشاعر المصري فاروق شوشة، و((الشاطئ)) للشاعر المصري مصطفى عبد الرحمان، ((ومواكب النصر)) لمصطفى عبد الرحمان كذلك…
إنها ثروة فنية في أغانينا المغربية المتمثلة في شخص عبد السلام عامر وعبد الهادي بلخياط، هذه الأغاني التي كان عامر لا يطمح من ورائها في أن يستحوذ على إعجاب طبقة معينة من الجمهور، وشريحة واحدة منه، بل كان يرغب في أن يستحوذ على كل الجماهير الشعبية.
أما محمد الحياني فهو ثالث فرسان الأغنية المغربية العامرية، والتي بلورها من خلال العديد من القطع الغنائية التي لا تزال إلى اليوم شاهدة على برائة هذا الفنان، ومنها ((راحلة)) للشاعر الفحل عبد الرفيع الجوهري، و((قصة الأشواق)) لنفس الشاعر، و((غنت لنا الدنيا)) لمصطفى عبد الرحمان، وكذلك بعض الأغاني الوطنية المتميزة والصامدة.
وإضافة إلى هؤلاء، هناك أصوات أخرى وإن كانت ليست في مستوى هؤلاء ولكنها لا تقل أهمية عنها، غنت لعبد السلام عامر، لكن يبقى دورها ثانويا في الديوان الغنائي العامري، ويتعلق الأمر بعبد الحي الصقلي في ((مواكب النصر)) وهي قطعة زجلية، وأغنية ((تعالي)) التي غناها محمد الإدريسي وأعادها فيما بعد عبد الهادي بلخياط.
الأصوات النسائية
الأصوات النسائية التي تعامل معها عبد السلام عامر من الشرق هي سعاد محمد، التي غنت له قطعة: ((ملحمة الصحراء)) وهي قصيدة مشتركة بين شاعرين كبيرين هما المرحوم: أحمد عبد السلام البقالي من المغرب بمدينة أصيلة وعمر أبو ريشة من الشرق العربي، ومن المغرب لحن عامر لسميرة بن سعيدة ورذاذ الوكيلي وكنزة الشريف وعائشة العلوي وسلوى الجزائرية.
ولتقريب القارئ الكريم من الأعمال الشعرية التي اشتغل عليها عبد السلام عامر، نختار نموذجين لعملين شعريين متميزين، يشكلان مع بعضهما البعض نقطة تحول في الشعرية المغربية.
آخـــر آه:
لـــم يعد قلبي ولا فكري معك
لـــم تعد كل المنى ان أسمعـــك
خمـد الحــب الذي أذكيتـه زمنـا
حبــي الــذي مـاذا أقنعــك
كنت شيئا أضلعي عودتها
أنــت عودت مـاذا أضلعــك؟؟
لــم تكونــي إلا طفلـــة فـــي
الهــوى فالهــي وصونــي أدمعــك
واحفظيهــا اليــوم حتــى تكبـري
فعساهـا فــي غــد أن تنفعـــك
إن تكونــي حلــوة فاتنــة
يدعيــك الكــل يفــدي مدمعــك
يشهــق الـورد، إذا مـا جئتــه
يــورق العشــب يحيــي مطلعــك
أنـا مـا جئتــك يومــا أرتجــي
أنـت أثــرت فــي قلبــي موضعـــك
شعر الراحل المتبصر والفذ: محمد الخمار الكنوني

راحلــة:
وأنـــت قريبــة.. قريبـة
أحـــن إليــك
وأظمأ للعطـر.. للشمس في وجنتيك
وحين تغيبين يغرق قلبي في دمعاتي
ويرحــل صبحــي.. تضيع حياتـي
ويشحب في أعيني الورد والداليـة
وتبكي العصافير والساقيـة… الـــخ..
شعر الشاعر الفذ والصامد: عبد الرفيع الجوهري
والإنصات إلى هذين العملين الشعريين، كما وقعتهما موهبة عبد السلام عامر اللحنية والموسيقية تجعلنا نسجل عملين فنيين مدهشين يتكونان من عدة أغان تطول أو تقصر، مادام كل مقطع ملحن على مقام مغاير وجديد في الروعة الموسيقية واللحن الطروب والفتان والرائق، وكذلك لحن عامر لشعراء آخرين، منهم حسن المفتي وأحمد رامي ومفدي زكرياء، وغيرهم من كتاب الكلمات مشرقا ومغربا.
ثم قصيدة ((راحلة)) وقصيدة ((قصة الأشواق)) للشاعر الغيور عبد الرفيع الجوهري، ثم قصيدة ((دنيا)) للشاعر عمر أبو ريشة وقراءة الشاعر المتميز والأديب الغيور فاروق شوشة وغناء عصفورة الشرق الفنانة الطروبة والمتميزة سعاد محمد، وهناك مجموعة من القصائد الملحنة كما يشاع عند البعض لازالت تحتفظ بها زوجته.
الصوت الأخير:
حتى إذا أردنا أن نقوم بتقييم هذا الفنان العبقري من خلال أعماله نجد أنفسنا أمام رجل أعطى الكثير بسخاء نادر ومنقطع النظير، فقد بذل جهدا جبارا قل مثيله، حيث شد أذن المستمع العربي إليه وإلى ألحانه وإبداعاته الخالدة والصامدة مع الزمن.
إن الألحان العامرية، رغم تعدد مرجعيتها، فقد انصهرت في بوثقة واحدة ورائعة وخلابة، قدمت القصيدة المغربية، في طبق من ذهب، وداعبتها أوتار عامر السحرية والملهمة، جاعلة منها روائع خالدة تبقى مع بقاء الزمن، في وقت كانت فيه الأغنية المغربية الأصلية في بدايتها، فزادت من بهائها وفنها الرائع خطوات عملاقة إلى الأمام بالتقدم الشامل والغني بالشدو والطرب الملتزم والأصيل.
– إنك يا عبد السلام عامر في هذه الذكرى الرابعة والأربعين سنة من وفاتك، وبرحلتك الفنية القصيرة من عمرك والشاسعة المدى على طول الزمن بألحانك الخالدة والصامدة في الدهر، ستبقى نبراسا مضيئا يهتدي بك في الألحان المغربية الوهاجة، في زمن يكرس السائد، وما السائد إلا أغاني الهزل والكساح، فنم قرير العين لأننا بك سنهتدي في زمن الردة والحرب الضروس الطاحنة والظالمة والمآسي المخزية لنا والكرب والخذلان، وستكون لنا نموذجا وضاء يحتدى، وعبرة لأجيالنا الصامدة واللاحقة… وستظل على إيقاع ألحانك الباقية والخالدة في الزمن المغربي والعربي والعالمي والإنساني أينما كان.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading