
ذ . ادريس حيدر :
إلى الصديق و الزميل العزيز :
عبد السلام الزروالي ، عميد
إمبراطورية ” نون ”
مع التحية
كان الطقس حارا ، تقارب درجته خمسون (50) ، ترافقه رياح شرقية و كأنها تهب من نار جهنم ، على أجساد بعض المارة المتعبة و المتهالكة نتيجة الارتفاع الغير العادي للحرارة .
كان اليوم قائظا ، يكاد يخنق الناس بحيث يجدون صعوبة في التنفس.
و على أغصان إحدى الأشجار الباسقة ، كانت إحدى إناث اللقلاق ، واقفة و جاثمة في خيلاء و كبرياء ، تتأمل الكائنات التي تدب فوق الأرض و التي تعلو فوقها ، و في نفس الآن تحرس صغارها الذين كانوا بجانبها في عشهم.
كانوا يُحْدِثون أصواتا عبارة عن طقطقات ، ربما نتيجة الحر الشديد الذي كان يلفح أجسادهم الصغيرة .
انطلقت بعدها ، أمهم في رحلات مكوكية بين النهر المجاور و عش الصغار ، تنقل الماء لصغارها لإرواء عطشهم ، لأنهم كانوا قد اقتربوا من الهلاك .
استمرت هذه العملية المضنية لساعات بدون توقف أو انقطاع.
فيما الحرارة كانت تزداد ارتفاعا تسببت بعدها في نشوب حرائق أتت على الأخضر و اليابس.
خلت أزقة المدينة من الناس ، و احتمت بالمنازل و النهر و البحر بحثا عن طقس رطب و عن طراوة مفتقدة لأجسادهم ، تُعِيدُ لهم بعض الانتعاش و الراحة .
آنذاك اضطرت أنثى اللقلاق ، بعد أن قضت وقتا غير يسير تنقل ماء النهر لصغارها و تراقبهم و تتأملهم مخافة هلاكهم، أن تنشر جناحيها على العش بكامله لتقيهم من تلك الحرارة .
ظلت على تلك الحالة لأكثر من يوم ، مما أثار انتباه بعض المارة ، خاصة و أن المنظر كان مفعما بالحنان .
نصب البعض منهم سلاليم طويلة للإطلاع على حقيقة الأمر.
فوجدوها قد نفقت فيما صغارها كانوا متجمعين تحت جناحيها و بجانبهم مؤونتهم التي أحضرتها لهم أمهم التي نفقت نتيجة ارتفاع درجات الحرارة و هبوب لهيب يكاد يحرق الأجساد، مضحية بذاتها من أجل حماية صغارها .
كانت اللحظة مؤثرة و مفعمة بمشاعر الحزن و الأسى .
كما أن الإنسان كان شاهدا على لحظات من الحنان و النفوق ، و لكن هذه المرة في الأعالي.