حنان و نفوق في الأعالي .

1 مايو 2023

ذ . ادريس حيدر : 

إلى الصديق و الزميل العزيز :
عبد السلام الزروالي ، عميد
إمبراطورية ” نون ”
مع التحية

كان الطقس حارا ، تقارب درجته خمسون (50) ، ترافقه رياح شرقية و كأنها تهب من نار جهنم ، على أجساد بعض المارة المتعبة و المتهالكة نتيجة الارتفاع الغير العادي للحرارة .
كان اليوم قائظا ، يكاد يخنق الناس بحيث يجدون صعوبة في التنفس.
و على أغصان إحدى الأشجار الباسقة ، كانت إحدى إناث اللقلاق ، واقفة و جاثمة في خيلاء و كبرياء ، تتأمل الكائنات التي تدب فوق الأرض و التي تعلو فوقها ، و في نفس الآن تحرس صغارها الذين كانوا بجانبها في عشهم.
كانوا يُحْدِثون أصواتا عبارة عن طقطقات ، ربما نتيجة الحر الشديد الذي كان يلفح أجسادهم الصغيرة .
انطلقت بعدها ، أمهم في رحلات مكوكية بين النهر المجاور و عش الصغار ، تنقل الماء لصغارها لإرواء عطشهم ، لأنهم كانوا قد اقتربوا من الهلاك .
استمرت هذه العملية المضنية لساعات بدون توقف أو انقطاع.
فيما الحرارة كانت تزداد ارتفاعا تسببت بعدها في نشوب حرائق أتت على الأخضر و اليابس.
خلت أزقة المدينة من الناس ، و احتمت بالمنازل و النهر و البحر بحثا عن طقس رطب و عن طراوة مفتقدة لأجسادهم ، تُعِيدُ لهم بعض الانتعاش و الراحة .
آنذاك اضطرت أنثى اللقلاق ، بعد أن قضت وقتا غير يسير تنقل ماء النهر لصغارها و تراقبهم و تتأملهم مخافة هلاكهم، أن تنشر جناحيها على العش بكامله لتقيهم من تلك الحرارة .
ظلت على تلك الحالة لأكثر من يوم ، مما أثار انتباه بعض المارة ، خاصة و أن المنظر كان مفعما بالحنان .
نصب البعض منهم سلاليم طويلة للإطلاع على حقيقة الأمر.
فوجدوها قد نفقت فيما صغارها كانوا متجمعين تحت جناحيها و بجانبهم مؤونتهم التي أحضرتها لهم أمهم التي نفقت نتيجة ارتفاع درجات الحرارة و هبوب لهيب يكاد يحرق الأجساد، مضحية بذاتها من أجل حماية صغارها .
كانت اللحظة مؤثرة و مفعمة بمشاعر الحزن و الأسى .
كما أن الإنسان كان شاهدا على لحظات من الحنان و النفوق ، و لكن هذه المرة في الأعالي.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading