
من تقديم أمينة بنونة
محمد الخمار الكنوني في الذاكرة
إعداد وتنسيق الأستاذ محمد العربي العسري
.
ما أكبر التضحيات وما أبخس الاعتراف
د. رشيد الجلولي
مرت عقود على رحيل الشاعر الرائد محمد الخمار الكنوني، والناظر اليوم إلى معاركه الشعرية ومعاركه مع الحياة، خصوصا إذا كان متخصصا في النقد أو العلوم الإنسانية، يكتشف أن الهاوية التي وقف الخمار على حدودها، في رحلته الشاقة القديم إلى الحديث، من القصيدة العمودية إلى شعر التفعيلة، من الصورة التي تخدم أغراض الشعر الكلاسيكية إلى الرؤية الفلسفية، التي تسعى بواسطتها القصيدة المعاصرة إلى التفكير في جمع شتات عالم عربي أركانه محطمة ودعائمه متلاشية. إن الناظرإلى ديوان “رماد هسبريس” يدرك أن الهاوية التي لم يتهيب الخمار من الارتماء في أحضانها، وجعله جسرا للعبور إلى الحداثة والمستقبل، لا تزال هي الهاوية نفسها التي تحيط وتعبر الليل العربي، إلا أنها صارت أكثر اتساعا وأشد عمقا وحلكة.
كل الشعراء العاشقين لأوطانهم يحلمون بالفردوس، لذلك تغرق لغاتهم ورؤاهم في الانسحاق اليومي لسياقاتهم التاريخية المتعددة، وكذلك فعل الخمار بتطلعه
إلى حدائق التفاح الذهبي، أو حدائق هسبريس، ليكشف أن الفردوس احترق منذ زمان بعيد، والتهمته نيران التخلف العربي، فأحالته إلى رماد.
وفي ديوان “رماد هسبريس” فصلت القصائد انتقادها لجوانب متعددة من الحياة الاجتماعية والسياسية والروحية للمغاربة، رافعة إياها إلى مستوى نموذج يصح من
خلاله فهم باقي المجتمعات العربية، الرازحة تحت نير اللصوصية، أو كما قال الشاعر
“لقد مر لصوص من هنا” والمشاعر الغابوية. المستأصلة في الذات في الماضي والحاضر،
مع الأمل في أن يكون خيال الشاعر محق فيما يخص المستقبل الموعود في عودة التفاح الذهبي بمدينة القصر الكبير، أرض الرماد وفردوس هسبريس المتبخر، مسقط رأس الشاعر ومكان نشأته، اتجهت، يوم الجمعة 24 مارس 2018، لجنة مكونة من ممثلين لجمعية الجامعة للجميع للتعلم مدى الحياة – فرع القصر الكبير – وبتنسيق مع الجماعة الترابية إلى حي سوق الصغير الذي ولد به الشاعر/ قرب المسجد الأعظم، بمحاذاة
البرج الذي دفن فيه جثمان الملك البرتغالي سان سبستيان، وبعد تفكير ونقاش سابق
لأكثر من سنة اتفق الطرفان على وضع مجموعة من اللوحات التنويرية للتعريف بالمعالم التاريخية لفردوس هسبريس، کما اتفقا على وضع نقيشة على جدار منزل الشاعر لتطلع الأجيال القادمة على أن شاعرا مقتدرا – وليس لصا- مر من هنا.
فما أعظم التضحيات، وما أبخس الاعتراف الذي يقدم لأرواح النبلاء ولو بعد رحيلهم بعقود طويلة.(332/333)