إشراقات ثقافية (8)

31 مارس 2023

إشراقات ثقافية
من تقديم أمينة بنونة
صراع المرأة والرجل في القصص الشعبي
د. مصطفى يعلى

2 ـ بنية النكاية : إن الصراع الدائر بين البطلين، يحتدم في الحكاية بسبب أثر النكاية الذي أوجع الطرفين بالتناوب، خاصة عندما اقترب الصراع من المناوشات الجنسية. فبعد أن استطاع ابن الملك أن يتنكر في شخصية يهودي يبيع السمك (تنكر O)، ليتمكن بهذا من انتزاع قبلة من عائشة لقاء السمك (إساءةA)، ثم عيرها بذلك في صباح الغد، كادت هي له بطريقة أكثر إيجاعا ونكاية، استطاعت بواسطتها أن تسئ إلى رجولته بتشويه رموزها الجنسية.
ومع تطور الصراع بين البطلين إلى حد لا رجعة فيه، واستعصاء البطلة على الرضوخ لمشيئة ولد السلطان، يبادر هذا الأخير إلى البحث عن سلاح ناجع يمكنه من التحكم في عائشة كيفما يشاء. ولم يكن ذلك السلاح سوى الزواج بها، إمعانا في تعميق هوة التضاد، وليس بناء لعلاقة انسجام من المفروض أن يحتضنها عش الزوجية. خصوصا وأن نفسه قد امتلأت بمشاعر الانتقام لرجولته وكبريائه المجروحة من طرفها. وقد اتخذ مسار النكاية بعائشة بعد الزواج ثلاث مسلكيات:
ـ محاسبة ابن الملك لعائشة على كل ما بدر منها في السابق، في محاولة لإذلالها وكسر شوكتها نكاية فيها، حتى تسلم مرغمة بتفوق كيد الرجل على كيد المرأة. لكن عائشة رغم كل مضايقاته، ظلت ترفع التحدي في وجهه، معترفة بكل إساءاتها له، ومتشبثة بتفوقها عليه، وإثبات جدارتها أمامه، ولم تعترف بغلبة كيد الرجل على كيد المرأة، زيادة في توتيره والنكاية به. الأمر الذي رفع درجة الغيظ في نفس ابن الملك إلى أقصى مراتبها.
ـ معاقبة ولد السلطان لعائشة، بحبسها في (المطمورة)، والاقتصار على مدها يوميا بنصف خبزة شعير مع بعض الزيتون وبرادة ماء. والتردد عليها يوميا لمساءلتها عن الكيد المتفوق: كيد الرجال أم كيد النساء؟. ودائما تصاب محاولته بالخيبة، إذ تكون الإجابة واحدة وأكثر نكاية: (كيد النساء يا مولاي)، دون أن يدرك ابن الملك، أن عائشة تذهب للمبيت كل ليلة في منزل والديها، عبر نفق يصل بينه وبين المطمورة حفره أبوها بإيعاز منها.
ـ إغاظة ابن الملك لعائشة بتطبيق القولة المأثورة (لا يغلب المرأة إلا المرأة)، فعمد إلى إخبارها بخروجه للنزهة بعض الأيام. ومرة أخرى بدل أن تظهر له اغتياظها، باركت ذلك، لكنها باستنطاقها إياه وتواطئه بالإجابة الصادقة عن مكان التنزه، تمكنت من أن تسبقه إليه بخيمتها وخدمها، متنكرة في شخص امرأة جميلة وغنية. وهكذا قضت معه كل أيام النزهة، ثم عادت قبله إلى المطمورة. وتكرر الأمر ثلاث مرات على عادة القصص الشعبي. وفي كل مرة كان ابن الملك يخبر عائشة مغيظا ومتشفيا بقوله :
((لو رأيت تلك المرأة التي وجدت. لم أر شبيها لها)).
فترد عليه في مكر واستهبال :
((بصحتك يا مولاي!))(11).
من غير أن يعلم بأن تلك المرأة لم تكن سوى عائشة، ولا أدرك أنها حبلت منه بطفلين في المرتين الأوليين وببنت في المرة الأخيرة.
وكما في مجموع هذه الحكاية، ظل هنا أيضا، السؤال التفضيلي المتوتر بين كيد الرجل وكيد المرأة، والجواب المتحيز لكيد المرأة، مهيمنين على فضائها. والأهم من ذلك كون عائشة استطاعت بسبب ما تمتعت به من ثقة في النفس وبراعة الكيد وقوة التحدي، أن تسحب من ابن الملك كل إمكانية للنجاح في تحقيق ما رامه من لذة النكاية، وفرض الاعتراف بكفاءة الرجل ولو على باطل. لاسيما وأن المعركة لم تكن متكافئة، حيث تقابلت عنجهية ابن الملك الغاشمة وغطرسته المغفلة وغروره الكاريكاتوري، مع هدوء غاية في المكر وتواضع مغرض وكيد جبار من طرف عائشة، الأمر الذي يساعد على رسم النتيجة المتوقعة في استباق ظهرت علاماته منذ بداية الحكاية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11) كيد النسا.. كيد الرجال؟، ص. 52.
يتبع

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading