البيتو (8)

31 مارس 2023

ذ . عبد المالك العسري :

.ادعوكم لمتابعة هذه السلسلة ،نص أدبي “للدكتور عثمان المنصوري “والدخول إلى أغواره وكشف معاني الجمال وموضع الإبداع فيه ، قصة تنشر لأول مرة عبر حلقات
” “البيتو ”
د :عثمان المنصوري – الحلقة 8
ملاحظة: كل تشابه بين شخصيات هذه القصة وأحداثها مع شخصيات وأحداث واقعية هو تشابه مقصود
ابتدأت المباراة، وأظهر اللاعبان مهارتهما الكبيرة في تسيير الأقراص داخل الرقعة، ووضع الكمائن لبعضهما البعض، مع اختلاف واضح في طبعهما، فالروبيو كان واضح التوتر، سريع الحركة، لا يهدأ على كرسيه، ويتأمل الحاضرين حواليه، مستمتعا بوجود هذا الحشد الكبير من الناس، أما الشريف فكان على العكس منه هادئا مفرط الهدوء، يتأمل الرقعة بتركيز شديد، تعلو وجهه ابتسامة خفيفة، وحركاته بطيئة. تم تفعيل الرقعة الخارجية لتمكين الجميع من المتابعة، فأصبح المكان أشبه بسوق الدلالة، يلعب الشريف لعبته، فيسفر النرد عن رقم خمسة، فيقول الحكم: خمسة، ويصيح الذي بجانبه خمسة، ويقوم شخص ثالث بجانب النافذة لينقل الخبر إلى خارج المقهى ليثبت أحد الشبان القرص في مكانه على لوحة الحائط. لكن اللاعبين عبرا معا عن قلقهما من هذا الضجيج، فاستعاض المبلغون عن اللغة بالإشارات. وبعد ساعة من الشد والجذب، تمكن الروبيو من حسم نتيجة المباراة الأولى لصالحه.
أحس الشريف بإحراج كبير، فهو لم يتعود على الهزيمة، وله باع طويل في اللعبة. صحيح أن المباراة كانت متكافئة، ولم تحسم إلا بفارق ضئيل، حسمه الحظ. ولكن بدا التأثر واضحا على ملامح الشريف، وطلب منا نحن المنظمين أن يكون اللعب بالبرميل تفاديا لكل تلاعب بالنرد. والبرميل هو وعاء صغير على شكل برميل ، يوضع فيه النرد، و يحرك جيدا، ثم يقلب على الرقعة الزجاجية، ليتراقص النرد بدون تدخل من أحد. قبل الروبيو الاقتراح، وخلع الشريف جلبابه، وشمر عن أكمامه إيذانا بمقابلة قوية حاسمة. ودارت أطوار المباراة الثانية قوية، وبندية كبيرة بين الرجلين. وانتهت بعد ساعة وربع، لصالح الشريف الذي تنفس الصعداء واستعاد ثقته في نفسه، وطلب مشروبا، فسارع أحد القصريين لتلبية طلبه، وأحضر له كأس شاي بالنعناع، ومعه قطع ساخنة من “التشورو”، بينما طلب الروبيو من أحدهم إحضار” بوكاديو” مع مشروب غازي، فكان له ما أراد، لأن الكل كان يسارع إلى تلبية طلب البطلين اللذين يمثلان المدينتين. قررت اللجنة منحهما ساعة استراحة، لأن وقت صلاة الظهر كان قد حان، ولم يكن من اللائق استئناف اللعب في وقت الصلاة. لكن الاستراحة دامت إلى الثالثة بعد الزوال، حيث انطلقت المباراة الثالثة الحاسمة لهذا اليوم. وبعد مباراة قوية تابعها جمهور غفير، ودامت ساعة ونصف، ابتسم الحظ للشريف، الذي أحرز على النقطة الحاسمة، فنهض واقفا، متهلل الوجه، معلنا عن انتصاره، ومعه نصف الموجودين من القصريين، الذين التفوا حوله يعانقونه ويهنئونه، بينما ظل الروبيو جالسا ساهما، غير مصدق لهزيمته الثانية على التوالي، وهو البطل الذي لا يشق له غبار في هذا المضمار. ولكنه تحامل على نفسه، ونهض وسلم مهنئا الشريف على انتصاره، فتعانقا، وكل منهما يجامل الآخر بعبارات ودية، على عكس ما يجري عادة في المقابلات العادية. ولعل تصرفهما ذلك كان أيضا بتأثير من اللجنة المنظمة التي كانت تؤكد دائما وفي جميع أطوار المباريات على ضرورة التحلي بسلوك حضاري، وتقبل الهزيمة، واعتبار أن الأمر لا يعدو أن يكون لعبة لا بد فيها من منتصر ومنهزم، وأن المنتصر دائما هي الروح الرياضية، خصوصا وأن الأنظار في المغرب والخارج متجهة إلى اللاعبين. لكن الجمهور كان له شأن آخر، ففي جهة كان تهليل القصريين وهتافاتهم في خارج المقهى، وفي الجهة المقابلة، كان الأسى الذي غمر العرائشيين، الذين انفضوا في هدوء، ولم يخل الأمر من بعض المناوَشات بين المتعصبين من الجهتين، والتي تم الحسم فيها بسرعة من رجال الأمن الحاضرين.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading