إشراقات ثقافية
من تقديم أمينة بنونة
صراع المرأة والرجل في القصص الشعبي
د. مصطفى يعلى
إن حكاية (كيد النساء.. كيد الرجال)، تنفتح وفق التشريح المورفولوجي، بمرحلة بدئية تمهيدية، تعرفنا ببطلتها تعريفا سريعا، حيث تعين اسمها (عائشة)، ووضعها الاجتماعي (بنت النجار)، وديدنها (تطلع يوميا إلى السطح لسقي الحبق). ثم ينطلق الحدث متدفقا متشعبا، مع ظهور ابن الملك في فضاء الحكاية، على صورة متطفل على البطلة بالمراقبة والترصد، لتبدأ المعركةH²) )، حيث يتحرك الحدث في شكل صراع مرير، اشتعل أواره بين قطبيه في تنافس وتحد محمومين. وذلك عبر هيكلة رباعية البنيات، خصصت فيها كل بنية بمظهر جديد من الكيد:
1 ـ بنية الاختبار: يتبادل البطلان في هذه البنية طرح الأسئلة التعجيزية في شكل ألغاز لا أجوبة لها، بواسطة جملة نداء محددة لشخصية المنادى، ومردوفة بجملة نداء ثانية مثبتة لإمكانيات الطرف الآخر وكفاءاته. وأثناء مسار هذه الممارسة التعجيزية، يحتد صوت البطل/ الرجل، وتتوتر نفسيته، كلما عارضت البطلة / المرأة إرادته، متشبثة برأيها عن تفوق كيد النساء على كيد الرجال(انتهاكδ). فابن الملك يختبر عائشة معرفيا من أجل تعجيزها والنيل من قدرها، حين يطلبها أن تذكر له كم من ورق في عروش الحبق. وهي ترد على سؤاله بسؤال في منتهى الإعجاز، فتطلب منه في غير قليل من الشماتة، أن يذكر لها وهو قارئ كتاب الله، كم من نجمة في السماء، وسمكة في الماء، ونقطة في الكتاب. مما أثار غضب ابن الملك.
وتطور الاختبار البسيط المبني على طرح الأسئلة التعجيزية، إلى اختبار أكثر تعقيدا. ويتعلق الأمر بموهبة التوريط في المواقف المشينة عن طريق الكيد والخداع. وبسبب تقنية التكرار، تعددت التحديات والملاسنات بين البطلين، وتبودلت مظاهر المكر والحيل الموجعة بينهما، بناء على رصد ومعرفة كل طرف بهفوات الآخر، مع تجاوز حدود اللياقة أحيانا. وفي كل مرة يتراكم المزيد من مفردات الشتيمة المتبادلة ويتضخم بشكل حلقي (Randonnée)، عبر أداة الحوار المكثفة المشحونة بالتوتر والتحدي.
وبذلك يتحول الاختبار المعرفي إلى اختبار شخصي، همه الاجتهاد في قياس قدرات الخصم، لاسيما عندما تطور الأمر إلى تبادل الكيد والمكر للإيقاع بالطرف الآخر، والسخرية منه، والنكاية فيه.
يتبع
