ذ . ادريس حيدر :
كان أغلب المعتقلين من مشارب متعددة و مختلفة : الأستاذ الجامعي ، المحامي ، الطبيب ، الموظف الإداري ، الطالب الجامعي و التلميذ…الخ ، و بالتالي فكل هؤلاء لم يسبق لهم أن قضوا أياما في السجن ماعدا النشطاء السياسيون الذين سبق و أن أقاموا فيه بسبب آرائهم و نشاطهم السياسي .
فإقامتنا بالسجن ، إذن ، كانت مضطربة و تشهد فترات مختلفة من الهدوء و الإطمئنان إلى الغضب و المعاناة .
كان برنامج إقامتنا فيه موزع بين فترات نهم القراءة التي تتم ليلا و نهارا لمؤلفات مختلفة : فكرية و إبداعية – الفسحة الصباحية و المسائية – حصص الرياضة و الاستحمام -الزيارات – تجزية الوقت بلعب ” الشطرنج” و الورق …الخ.
لكن و بالرغم مما يبدو أنه امتيازات يتمتع بها المعتقل السياسي بعد خوضه لمعارك نضالية قاتلة ( الإضراب عن الطعام ) إلا أن السجن يبقى سجنا ، حيث يُحرم المعتقل من نعمة الحرية .
إن التوق إليها يزداد و يكبر لدى السجين ، بل و تنتابه أحيانا مشاعر نفسية مرعبة ، حيث يشعر بالاختناق ، خاصة عندما توصد الأبواب عليه و على غيره ، بل من المعتقلين من يصيح و يستغيث مطالبا بفتح أبواب الزنازن و غالبا ما يكون هذا النوع من المعتقلين مصاب برهاب الأماكن المغلقة ” clostrophobie ” و هو ما يصطلح عليه في علم النفس ب ” كلوسطروفوبيا ” ، و يقضي المعتقل بسببه ، الليل في حالة صعبة و لا ينفع في هذه الحالة إلا إعطاءه منوما ليخلد للراحة و النوم .
كذلك ، فإن السجين قد يقضي وقته شاردا و متألما بسبب خبر مزعج يتلقاه و يتعلق بأحد أفراد عائلته: مرض أحد أبنائه، أو نتائج امتحاناتهم غير المرضية … أو وفاة أحد والديه أو أحد إخوته أو عزيز من أصدقائه و عدم تمكنه من المشاركة في جنازته و توديعه بسبب اعتقاله.
و تنتابه نفس المشاعر إذا علم بأن أحد أفراد أسرته مريض و يحتاج إلى مصاريف للعلاج و أن هناك صعوبات مالية لتحقيق تلك الغاية .
هذه الأخبار المزعجة و المألمة التي ترد عليه من خارج القلعة الإسمنتية، تجعله تعيسا ، حيث تشغله كثيرا و يصبح قلقا و حزينا و يعدو جسدا بدون روح .
لكن سرعان ما يسترجع عافيته النفسية و ينخرط و رفاقه في نسج خيوط الإيباء و الكرامة ، بنضالهم من أجل الوطن الذي يحلمون به و الذي و من اجل رفعته و عُلَاهُ ، رُمُوا في السجن لإسكاتهم و ردعهم .
يتبع…