يوميات معتقل سابق (18) القطط السمان في السجن .*

11 مارس 2023

ذ . ادريس حيدر

في كل من السجن السيء الذكر ” لعلو ” أو السجن المدني بالقنيطرة و المسمى ب ” العواد ” ، صادفنا أثناء قضائنا لفترة الاعتقال ، بعض الأشخاص الذين كانوا قد اغتنوا بفضل الفساد الذي كان و لازال مستشريا في الحياة الاقتصادية و السياسية لهذا الوطن الجريح .
و أغلبهم كانوا عملاء لأجهزة الدولة و خاصة المخابراتية بالرغم من ممارستهم التجارة أو الفلاحة .
و كان هؤلاء قد أصبحوا ملاكا كبارا لأراضي فلاحية شاسعة المساحات و تذر عليهم أموالا طائلة نظرا لجودتها و لتنوع زراعاتها و احتوائها على تجهيزات متطورة و عصرية .
و هكذا أصبح هؤلاء الملاك الجدد في فترة وجيزة من كبار الأغنياء أو رجال الأعمال نتيجة للمضاربات العقارية و الامتيازات التي يحصلون عليها في معاملاتهم الإدارية التي تشوبها كثير من الشوائب ك : ” الرشوة ” أو غيرها .
و من المؤكد أن هذا النوع من ” القطط السمان ” كان مسنودابالإدارة و خاصة أجهزة وزارة الداخلية و المخابرات و بالتالي كانوا قد أصبحوا عملاء لتلك الجهات و يقومون بمهام كُلفوا بإنجازها من طرفها.
و نتيجة أزمات قد تقع بين الطرفين لأسباب متعددة ، يتم الزج بأولئك الفاسدين في السجن بتهم مختلفة ك : ” عدم توفير مؤونة شيكات ” أو النصب و الاحتيال أو التزوير …الخ .
و من بين هؤلاء ، كان معتقلا أحد الأثرياء الجدد بالسجن المدني بالقنيطرة .
كان الرجل ذو أصول بدوية ، يفتقر إلى الذوق الرفيع ، ذلك أن لباسه يكاد يكون رثا و مظهره بئيسا و متسخا.
كان الرجل يُعَامل من طرف إدارة السجن معاملة خاصة ، سواء بالنسبة للإيواء حيث كانت تُفردُ له زنزانة خاصة، و يتمتع بفسحة يطول وقتها على خلاف باقي المعتقلين ، كما تُنظَّمُ له زيارات خاصة و في أوقات يتم اختيارها بعناية ، فضلا عن تناوله – تقريبا يوميا – اكل بيته ، كما أنه كان يتمتع بحصص الاستحمام متى رغب فيها .
و في المناسبات الدينية ، كان يُطْلبُ منه أن يتبرع بالخبز الجيد و ” الإسفنج ” لإسعاد المعتقلين و إشعارهم باجواء الأعياد و تمكينهم من طعام شهي و جيد .
و أحيانا كان يُطلبُ منه إحضار أجهزة التلفزة من أجل متابعة مقابلات ” كرة القدم ” للمنتخب الوطني أو غيره من طرف معتقلي الحق العام .
كان ذاك الثري الفاسد يُنفذ كل طلبات الإدارة و ذلك بتكليف عماله و ذويه من أجل تنزيلها ، و كان بذلك يتولى مساعدة الإدارة و تقديم دعم مادي كبير لها.
كنا ، نحن المعتقلون السياسيون شهودا على هذه المعاملات التمييزية المخالفة للقانون حيث يُصبحُ الحراس خداما له كما الإدارة بفعل الرشاوى التي كان يغذق بها عليهم و بالتالي أصبح هو الآمر/ الناهي في تلك المؤسسة .
من جهة أخرى فقد كان ذلك الثري الفاسد يتعامل مع المعتقلين السياسيين بكثير من الريبة و الشك و الخوف أيضا و بالتالي كان ينافقهم و يحاول تفاديهم بل و يكرههم.
كانت زبانيته ( عصابته ) تُعِدُّ و تهيء له المحاكمة بكثير من العناية و تستعمل في ذلك الرشاوى و النفوذ مما يكون عاملا أساسيا في الإفراج عنه .
إنه حقا وجه من أوجه الفساد البشع الذي ينخر البلاد .

* القطط السمان : مصطلح سياسي يعني
الطبقة الغنية و المترفة و الجشعة في المجتمع
و هو في الأصل مصطلح إنجليزي ، يستعمل كذلك
كرمز ل” عمق الفساد المالي ” .

يتبع…

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading