ذ . ادريس حيدر
في كل من السجن السيء الذكر ” لعلو ” أو السجن المدني بالقنيطرة و المسمى ب ” العواد ” ، صادفنا أثناء قضائنا لفترة الاعتقال ، بعض الأشخاص الذين كانوا قد اغتنوا بفضل الفساد الذي كان و لازال مستشريا في الحياة الاقتصادية و السياسية لهذا الوطن الجريح .
و أغلبهم كانوا عملاء لأجهزة الدولة و خاصة المخابراتية بالرغم من ممارستهم التجارة أو الفلاحة .
و كان هؤلاء قد أصبحوا ملاكا كبارا لأراضي فلاحية شاسعة المساحات و تذر عليهم أموالا طائلة نظرا لجودتها و لتنوع زراعاتها و احتوائها على تجهيزات متطورة و عصرية .
و هكذا أصبح هؤلاء الملاك الجدد في فترة وجيزة من كبار الأغنياء أو رجال الأعمال نتيجة للمضاربات العقارية و الامتيازات التي يحصلون عليها في معاملاتهم الإدارية التي تشوبها كثير من الشوائب ك : ” الرشوة ” أو غيرها .
و من المؤكد أن هذا النوع من ” القطط السمان ” كان مسنودابالإدارة و خاصة أجهزة وزارة الداخلية و المخابرات و بالتالي كانوا قد أصبحوا عملاء لتلك الجهات و يقومون بمهام كُلفوا بإنجازها من طرفها.
و نتيجة أزمات قد تقع بين الطرفين لأسباب متعددة ، يتم الزج بأولئك الفاسدين في السجن بتهم مختلفة ك : ” عدم توفير مؤونة شيكات ” أو النصب و الاحتيال أو التزوير …الخ .
و من بين هؤلاء ، كان معتقلا أحد الأثرياء الجدد بالسجن المدني بالقنيطرة .
كان الرجل ذو أصول بدوية ، يفتقر إلى الذوق الرفيع ، ذلك أن لباسه يكاد يكون رثا و مظهره بئيسا و متسخا.
كان الرجل يُعَامل من طرف إدارة السجن معاملة خاصة ، سواء بالنسبة للإيواء حيث كانت تُفردُ له زنزانة خاصة، و يتمتع بفسحة يطول وقتها على خلاف باقي المعتقلين ، كما تُنظَّمُ له زيارات خاصة و في أوقات يتم اختيارها بعناية ، فضلا عن تناوله – تقريبا يوميا – اكل بيته ، كما أنه كان يتمتع بحصص الاستحمام متى رغب فيها .
و في المناسبات الدينية ، كان يُطْلبُ منه أن يتبرع بالخبز الجيد و ” الإسفنج ” لإسعاد المعتقلين و إشعارهم باجواء الأعياد و تمكينهم من طعام شهي و جيد .
و أحيانا كان يُطلبُ منه إحضار أجهزة التلفزة من أجل متابعة مقابلات ” كرة القدم ” للمنتخب الوطني أو غيره من طرف معتقلي الحق العام .
كان ذاك الثري الفاسد يُنفذ كل طلبات الإدارة و ذلك بتكليف عماله و ذويه من أجل تنزيلها ، و كان بذلك يتولى مساعدة الإدارة و تقديم دعم مادي كبير لها.
كنا ، نحن المعتقلون السياسيون شهودا على هذه المعاملات التمييزية المخالفة للقانون حيث يُصبحُ الحراس خداما له كما الإدارة بفعل الرشاوى التي كان يغذق بها عليهم و بالتالي أصبح هو الآمر/ الناهي في تلك المؤسسة .
من جهة أخرى فقد كان ذلك الثري الفاسد يتعامل مع المعتقلين السياسيين بكثير من الريبة و الشك و الخوف أيضا و بالتالي كان ينافقهم و يحاول تفاديهم بل و يكرههم.
كانت زبانيته ( عصابته ) تُعِدُّ و تهيء له المحاكمة بكثير من العناية و تستعمل في ذلك الرشاوى و النفوذ مما يكون عاملا أساسيا في الإفراج عنه .
إنه حقا وجه من أوجه الفساد البشع الذي ينخر البلاد .
* القطط السمان : مصطلح سياسي يعني
الطبقة الغنية و المترفة و الجشعة في المجتمع
و هو في الأصل مصطلح إنجليزي ، يستعمل كذلك
كرمز ل” عمق الفساد المالي ” .
يتبع…