بقلم عبد القادر الغزلوي
أقدم إلى القراء الكرام بصفة عامة وإلى محبي الأدب العربي وعشاق الشعر العربي بصفة خاصة جماعة من الشعراء العرب الذين خلدهم شعرهم الرائع والجميل من القديم والحديث ، وكذا مختارات من روائع شعرهم الخالد ، دون الأخذ بعين الاعتبار ترتيبهم الزمني وعصورهم الأدبية . وقد أعملت جهدي المتواضع ما استطعت لأقدم إليكم هذه الطائفة الشعرية الرائعة المختارة حتى تنال إعجابكم وتروقكم ، وأن ينال هذا الاختيار إقبالكم واستحسانكم . لأني لا أختار ما تختارون ، ولا أنتم مختارون ما أختار ، لكم اختياركم ولي اختياري.
5) الشاعر محمود أبو الوفا
( 1900 ـ 1978 م )
أغنية مشهورة … وشاعرها منسي
الشاعر: هو محمود أبو الوفا (1900 ـ 1963 م ) ولد في قرية الأنشاصية بمصر ، شاعر مصري . في حداثة سنه أصيب بكسر في رجله فبترت ساقه ، فأصبح يعتمد على عكاز في سيره . تلقى تعليمه الأولي في كتاب مسقط رأسه انتقل إلى مدينة دمياط للدراسة ، فالتحق بالمعهد الديني ، إلا أنه فصل منه قبل التخرج ، فسافر إلى مدينة القاهرة لإتمام دراسته في الأزهر ، غير أنه غادره دون إتمامها نظرا لعدم قدرته المالية على أداء مصاريف الدراسة والإقامة ، مما جعله يبحث عن وظيفة أو عمل ، فاشتغل بائعا للسجائر ، وعاملا في مقهى ، ووسيط أراضي زراعية ، إلا أنه خسر في ذلك ، فبات بدون عمل قاري ونظامي .
لقد كون وثقف نفسه بنفسه ، فقرأ الشعر العربي ، واتصل بالشعراء والأدباء الذين عاصرهم ، كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران وعلي محمود طه وإبراهيم ناجي وعباس محمود العقاد وطه حسين وغيرهم .
بدأ في نظم الشعر مبكرا ، وبعد ذلك تمكن من نظم الشعر حتى عد من الشعراء المجددين في الشعر العربي . وفي المهرجان الشعري الخاص بأمير الشعراء أحمد شوقي شارك فيه بقصيدة شعرية فكانت أولى القصائد الفائزة ، فحصلت على الموافقة من طرف اللجنة المشرفة ، والتي كان من أعضائها شاعر النيل حافظ إبراهيم وشاعر القطرين خليل مطران . يقول في تلك القصيدة :
وخالد الشعر سوف يبقى مرايا
تجتلى في صفائها الأشيــــــاء
يا أمير البيان إن بيانـــــــــــي
فيك أعشت عبرته الأضــــواء
إلا أن شوقي رفض لقاءه خلال حفلة التكريم الرسمية لكونه مصاب بالعرج ويسير بعكاز ومظهره لا يليق بذلك المهرجان الشعري ، ( وهاجمته ” مجلة عكاظ ” لسان شوقي بقولها : إنه من سوء اختبار اللجنة ألا تجد غير شاعر رث الثياب مبتور الساق يمشي على عكازين ليمثل شعراء العرب في المهرجان ) . كتاب مشاهير الشعراء والأدباء . ص 220 .
فقد التحق بالعمل في مجلة المقتطف التي أتاحت له فرصة الاتصال بالحياة الأدبية والصحف ، ونشر بها ” قصيدة الإيمان ” وقد لفت انتباه السيدة هدى شعراوي بشعره وفنه ، فساعدته في السفر إلى فرنسا قصد العلاج والدراسة ، حيث سافر على نفقة الدولة ، فعاش بها سنة تقريبا ففتح له باب الاطلاع على أدب وشعر كبار أدبائها وشعرائها . وفي عمله بمجلة المقتطف تعرف إلى جماعة ” أبولو” ، فنقد شعر أحمد شوقي بأسلوب جميل وكلام طيب ، ولما اطلع على ذلك شوقي رغب في مقابلته إلا أن أبا الوفا رفض تلك المقابلة .
وعمل كذلك في جريدة الأهرام حيث كان ينشر بها بعض شعره ، وفي دار الكتب المصرية وفي مطبعة مصر مكلفا بالتصحيح . وفي وزارة الإعلام ، وكان من مؤسسي رابطة الأدب الجديد وأحد المؤسسين لجماعة أبولو الشعرية . نال وساما في عيد العلم على شعره .
لما أقامت ” رابطة الأدب الجديد ” حفل تكريم للشاعر محمود أبي الوفا ، نظم أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة في تكريمه ونشرها بجريدة الأهرام سنة 1932 م ، وذلك اعترافا بالبراعة الشعرية للشاعر أبي الوفا ، وبجمال شعره ، يقول فيها :
البلبل الغريد الذي هـز الربى
وشجى الغصون …وحرك الأوراقا
خلف البهاء على القريض وكأسه
تسقى بعذب نسيبه العشاقـــــــــــا
في القيد ممتنع الخطا وخياله
يطوي البلاد وينشر الآفاقــــــــــــا
سباق غايات البيان جرى بلا
ساق فكيف إذا إسترد الساقـــــــــا
لقد ترك الشاعر محمود أبو الوفا مجموعة من الأشعار والخطب والكتابات ، فجمعت في دواوين منها : ” أنفاس محترقة ” و ” أشعاري في الحب ” و ” شعري ” و ” أشواق ” و ” أناشيد وطنية ودينية ” وغيرها . وكان يقول : ( … ولدي مشروع آخر أتمنى لو أتيح لي إخراجه للناس . ذلك أنني أود في شرح نفسي وتسجيل رحلتي ورصد تجربتي الفنية وتقييم شعري ومحاسبة نفسي حسابا عسيرا على ما قدمت بحيث يجمع ذلك في كتاب صغير يكون بمثابة خلاصة رحلة الحياة والشعر … فهل يسعفني العمر ؟ ) . وقد تناول في شعره بعض الأغراض الشعرية كالمدح والغزل والوصف والرثاء .
قصيدة عندما يأتي المساء : تعتبر هذه القصيدة من أجمل قصائد الشاعر محمود أبو الوفا ، فقد أعجب بها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب فلحنها وأداها ، فكانت من أروع أغانيه وأشهرها ، إذ نالت تلك القصيدة مكانة مميزة ، ولقيت انتشارا واسعا وذيوعا كبيرا ، في حين ظل شاعرها منسيا ومغمورا أو يكاد .
عندما يأتي المســــــــاء، ×× ونجوم الليل تُنْثـــــــر
إسألوا لي الليل عن نجمـ ×× ي، متى نجميَ يظهر؟
عندما تبدو النجـــــــــــوم ×× فى السما، مثلَ اللآلئ
إسألوا هل من حبيـــــــبٍ، ×× عنده علمٌ بحالـــــــي ؟
كلُّ نجمٍ، راح فى الليــــــ ×× ل بنجمٍ يتنــــــــــــور
غيرَ قلبي، فهو مــــــــا زا ×× ل على الأفقِ محيَـــر
يا حبيبي، لك روحــــــي، ×× لك ما شئت وأكثــــــر
إنَّ روحي، خير افــــــــق ×× فيه انوارك تظهـــــــر
كلَّما وجَّهتُ عينـــــــــــي ×× نحو لمَّاح المحيَـــــــّا
لم أجد فى الأفقِ نجمــــــاً ×× واحداً يرنو إلــــــــــيَ
هل تُرى يا ليل أحظـــــــى ×× منكَ بالعطف علـــــــيَّ
فأغني وحبيبــــــــــــــي، ×× والمنى بين يـــــــــديَّ
×××
مختارات من أشعاره :
1 ) قصيدة الإيمان
يقول في مطلعها :
قوة لم ُتتح لقلب جبــــــــــــان تلك فى المرء قوةُ الإيمـــــــــان
تتجلى على جميع قوى الكــــو ن شيوع الأرواح فى الأبـــــدان
لكأنى أرى الحياة و إيـــــــــــا ها سميين ، أو هما توأمـــــــان
أول المؤمنين بالله حقـــــــــــا هو ، فى الأرض ، كان أول بان
يا ضياء الحياة بوركت فيهــــا بل تباركت ، يا يد العمــــــــران
إن روحى فدا الجمال ســـــواء فى المبانى أكان أم فى المعانـى
×××
2) قصيدة رثاء أمير الشعراء أحمد شوقي
يقول فيها :
رُوِّعَ الشِّعـرُ فـي أعزِّ حُمـــــــــــــــاتِهْ
ويحَ طلابـــــــــــــــــــه وويحَ رُواتهْ
نكبةٌ بـالـبـيـان حـلَّت فـمـالــــــــــتْ
بـالقـويِّ الـمتـيـن مـن شُرُفــــــــــاته
مـاتَ صنَّاجةُ الزّمـانِ فكـــــــــــــــادتْ
لُغَةٌ تـنطـوي غَداةَ ممـــــــــــــــــاته
وانطـوت صـفحةٌ مـن الـمـجـــــــــد أغلَى
مـا اقتـنـاه الزمـان مـن صَفَحــــــــاته
مـاتَ شـوقـي ولـم يَعُدْ ذكرُ شـوقـــــــــي
غـيرَ حُلْمٍ يُرَى عـلى ذكريــــــــــــــاته
×××
المراجع :
ـ محمود أبو الوفا : أشعاره .
ـ مجلة المقتطف : أعداد سنوات 1930 م و 1931 م و 1932 م
ـ مجلة الرسالة : العدد 868 . سنة 1950 م .
ـ طه حسين : كتاب حديث الأربعاء . الجزء 3 .
ـ أحمد هيكل : تطور الأدب الحديث في مصر . 1968 م .
ـ شوقي ضيف : كتاب الشعر العربي المعاصر في مصر .
ـ روبرت ب .كامبل : كتاب أعلام الأدب العربي المعاصر .سير وسير ذاتية .الطبعة 1. 1996 م.
ـ كامل سليمان الجبوري : كتاب معجم الشعراء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002 م . المجلد الخامس . الطبعة 1. 2002 م .
ـ محمد حسين الأعرجي : كتاب الصراع بين القديم والجديد في الشعر العربي .
ـ أحمد قبش : كتاب تاريخ الشعر العربي الحديث . 1971 م .
ـ عبد . أ .علي مهنا وعلي نعيم خربس : كتاب مشاهير الشعراء والأدباء .الطبعة 1 . 1990 م .
ـ لقاء مع الشاعر محمود أبو الوفا : إعداد فتحي سعيد مجلة الفيصل العدد 15 السنة 1978 م.