ملء الفراغ

10 فبراير 2023

د . عبد السلام دخان

أفكر في المحو الذي يهدد الحياة ويحول سيرة الكثير ممن نحب إلى صيغة الغياب وأجد نفسي – بصدد هذا التفكير – في مجاورة فراغ هائل يحتاج إلى طاقه استثنائية بغية ملء هذا البياض المخيف. المكان هو الآخر يتم توسيعه عبر تخييل أمكنة أخرى أو تذكر أماكن حميمية كمرتع الطفولة أو المقهى أو ما شابه ذلك. لكن الفراغ الشبيهة بالكفن يحيط بالحياة، و يجعل الشحنة الدرامية مؤثرة، رغم حالة القلق المحيطة بالذات من جراء الاختلالات الاجتماعية والأخلاقية، وغياب الحرية الموجهة للفعل الإبداعي والضامنة لجِدَّتِه وديناميته. كل أشكال التعبير الانساني، والأعمال المقدمة عبر مختلف الوسائط البصرية والسمعية لا تستطيع أن تعوض شرط الحضور والإنخراط في الحياة. لكن الوعي بالراهن وبما يهدد الوجود ككل يجعل الفراغ نفسه موضوعا للتأمل والتقصي. أستحضر في هذا السياق تراث كانط وهيجل وهيدغر وفلاسفة الاختلاف، وأمضي مزودا بإرادة الإنصات لتأمل التاريخ الفكري مند زمن اليوتوبيا وصراع الإيديولوجيات وصولا إلى ما يسميه فوكوياما بنهاية التاريخ وانتصار الليبرالية المتوحشة ومآلاتها الحزينة، وأقصد بذلك تسببها في ما يحصل للإنسانية اليوم بعيدا عن نظرية المؤامرة، قريبا من مشهدية مؤلمة لكائنات بشرية تغادر المكان دون وداع. هذا الفراغ الأنطلوجي يقابله فراغ روحي، وآخر عاطفي يجد تحققاته اليوم في كل الخطابات التي تعيد تشكيل نفسها كحاملة لتصوات لنمط العيش في مجتمعات فقدت بفعل سطوة الليبرالية المتوحشة، وفروعها الخبيثة، وفقدت الطابع الأخلاقي والاجتماعي، والتعاقدي للمجتمع والمؤسسات الحزبية، والطابع التعاضدي (بمعناه الأنتربولوجي) للمجتمع المدني، لصالح فردانية قاتلة تجد نفسها اليوم في عزلة تامة نتيجة الفراغ الواسع الذي شَمل الإنسان و المجال العام.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading