ذ : إدريس حيدر
انتظر الجميع المحطة الإستئنافية للطعن في الحكم الإبتدائي الذي اعْتُبِرَ من طرف المعتقلين السياسيين و دفاعهم، حكما قاسيا و ظالما و مجانبا للصواب.
و للأمانة لم يكن أحد منهم يرغب في الإستئناف ، لإيمانهم القوي بأن هذه الدرجة الجديدة من درجات التقاضي لن تُغير شيئا ، لأن الأحكام تُمْلَى على القضاء من طرف أجهزة الدولة المالكة للقرار ، غير أنه تم إقناعهم من طرف محاميهم ، على أنها محطة أخرى ستسمح لهم ثانية بمساءلة الدولة عن سياساتها المناهضة لطموح الشعب ، كما أنها فرصة لفضح سياساتها الاجتماعية .
و في انتظار المحاكمة الإستئنافية ، تسربت إشاعة ( و غير معروف من كان وراءها و كذا مراميها ) مفادها أن الهيئة الحاكمة معروفة بنزاهتها ، و أن السيد نائب الوكيل العام الذي سينتدب لتلك الجلسة ، صديق لبعض المعتقلين ، نظرا لكونه كان رجل تعليم قبل التحاقه بالقضاء ، و كان أحد نشطاء النقابة الوطنية للتعليم ، و بالتالي سيتعامل، لا محالة ، مع رفاقه القدامى بكثير من الإيجابية ، و قد تكتسي مرافعته شيئا من الموضوعية .
دلفنا ذات صباح إلى قاعة المحكمة بنفس الطريقة التي استعملناها ابتدائيا ، أي رفعنا الشعارات و رددنا الأناشيد و رفعنا شارات النصر التي تبادلها معنا الجمهور ، ثم علت زغاريد نساء عائلات المعتقلين و التي كانت ترفع منسوب الغضب لديهم و تجعلهم لا يخشون العقاب المبيت لهم .
كان القاضي الذي ترأس الجلسة ، رصينا و هادئا و صار ما في إدارته و تسييره للجلسة.
كان المعتقلون يراقبون رفيقهم السابق السيد نائب الوكيل العام و ينتظرون مرافعته.
استنطق القاضي كل المعتقلين و أعطى الكلمة للسيد الوكيل العام .
كانت مرافعته صادمة ، فلقد طالب المحكمة بإنزال أقسى العقوبات على المعتقلين ، لأنهم يحاولون خلق الفتنة داخل المجتمع – حسب زعمه – و لم يكن يطيل النظر في وجوههم بل كان لا يعيرهم أي اهتمام و بذلك تنكر لصداقتهم و عملهم معاملة لا تليق بهم من حيث الاحترام و التقدير .
بالمقابل لم يكن المعتقلون السياسيون ينتظرون منه أي شيء إيجابي ، فقد كانوا يعون ان الأحكام تُحَرَّرُ في غُرَفٍ خلفية و من محبرة أجهزة المخابرات و أصحاب القرار .
أما السيد نائب الوكيل العام فكانت تصدق عليه المقولة التالية : ” فاقد الشيء لا يعطيه “.
كانت قاعة المحكمة غاصة بالعائلات و الرفاق و الأصدقاء و عدد غير قليل من المنابر الإعلامية ، ممثلي السفارات ، الأحزاب…الخ .
هذه الأجواء الطيبة بالإضافة إلى الضغط الدولي الهادف إلى إطلاق سراحنا و نضال الرفاق في الأحزاب و الجمعيات و المنتديات المختلفة ، جعلت أصحاب الحل و العقد يعطون التعليمات للقضاء من أجل تأييد الحكم الإبتدائي فيما قضى به من إدانة في حقنا مع تخفيض العقوبات .
يتبع…