سليمان بنعتو :
لماذا لم تستمر الأمازيغية كلغة للتواصل اليومي في قبائل جبالة رغم ان قاموس جبالة لايخلو من مسميات أمازيغية كما عاداتهم وتقاليدهم اضافة الى طقوسهم الفلاحية و الدينية التي استمر حضورها في مناطق جبالة الى اليوم او الى وقت قريب من اليوم، حيث يعتبر هذا الغياب الحضور للثقافة الامازيغية سرا من اسرار مرحلة انتقال المنطقة، من منطقة امازيغية خالصة، الى منطقة عربية ذات خصائص أمازيغية سوسية. حيث لم ينكب الباحثون في القصر الكبير على هذه المواضيع وانما انكبوا الى مواضيع مستهلكة، ويرجع اصل هذا الهروب لقلة المصادر والمراجع التي تغطي هذه المرحلة مما يعني انه لم يبقى امام الباحث الحقيقي الباحث عن الجديد داخل القديم سوى الاستعانة بالاركيولوجية والرواية الشفهية وهو ما يعني الكثير من العمل والتنقل والسفر والجمع والتنقيح والنقد وغير ذلك .. ولأن الباحثين المحليين كسالى هربوا جميعا الى مواضيع محددة متوفرة فيها جميع المعلومات اللازمة المتعلقة بانجاز موضوع معين.
ان عادات وتقاليد جبالة محملة بالثقافة الامازيغية في تناغم مع اللغة العربية حيث حدث لسكان المنطقة تمزيغ العربية وإنتاج لغة دارجة فريدة من نوعها، كما تم تعريب التقاليد والعادات الامازيغية وأصبحت هذه العادات الامازيغية متميزة وفريدة من نوعها … ولعل الاحتفال برأس السنة الامازيغية وإحياء الحاكوز بانتظام اعتبارا من سكان قبائل جبالة أنه عيد وطني للسكان الاصلين يجب احترامه والمشاركة في احياء الاحتفال به – اقول هذا بعد اتمام تعريب المنطقة- بجميع طقوسه بدء بتحضير البغرير والاسفنج تم الرفيسة في الغداء ليتم تقديم اكلة شيوخة التي يتم تحضيرها بالحمص المحمص على المقلاة او المبخر ع مع اضافة اللتوابل التي تعطيه طعما خاصا يتخيل لآكله انه يأكل الحمص لاول مرة.
ان إحياء الحاكوز، واحترام مواقيت السنة الفلاحية ذات التقسيم الأمازيغي، وكذلك حضور أشكال التضامن ذات البعد الامازيغي بالاظافة الى إحياء سباق ماطا وبوجلود وغيرها من العادات والتقاليد الاجتماعية و الدينية الامازيغية … ونظرا لكون المجال لايتسع لذكر جميع مظاهر استمرارية الحضارة الامازيغية في منطقة جبالة والتي لم تحضى بأهمية كبيرة من طرف البعتاث الاركيولوجية هذا بالإضافة إلى الضرر التاريخي الذي سببه تشييد سد واد المخازن الذي قام على أنقاض نصف مساحة واد اللكوس التاريخي وغطى ماثر تاريخية كثيرة كانت غير خاضعة للدرس والبحث، ولاعجب ان وجدنا مخلفات البناء على تلال قريبة من نهر اللوكوس تعود لما يسمونهم سكان المنطقة بسواسة القدام .
اننا في هذه الأسطر لا نحاول لي عنق التاريخ للوصول إلى خلاصات تشبع الانا المرضية الهوياتية الضيقة، وانطلاقا من هذه القناعة فإننا لا نحاول تأكيد أمازيغية المنطقة لان هذه الحقيقة لايختلف عنها طالبين جامعيين، كما اننا لن نقف عن تاريخ بداية استقرار الأسر اليهودية والعربية والعربية الاندلسية.. لان هذا الموضوع يشكل مبحثا يجب البحث فيه من طرف الطلبة والباحثين لأنه مجال لم يتم تناوله بشكل منهجي الى اليوم..
اننا في هذا الأسطر نحاول فتح سؤال تاريخي أمام المهتمين بتاريخ المنطقة وكذا المهتمين بالثقافة الامازيغية ما قبل الصهينة لقيادة هذه الحركة … وفي محاولة للاجابة على سؤال مصير الأمازيغ بالمنطقة بعد استقرار العنصر اليهودي والعربي تم العنصر الأندلسي؛ فقد خلصنا في بحثنا الميداني ومن خلال الرواية الشفهية ان الأمازيغ الذين كانوا مستقرين بالمنطقة لم يهاجروا أرضهم ولم تتم ابادتهم، (اكيد انها كانت هناك صراعات مناطقية وقبلية، لكننا نعتقد تا هذه الصراعات من صميم المجتمع القبلي الذي يعيش وفق مبدأ الدفاع والهجوم المشترك سواء في مواجهة الطبيعة او العدو ) وإنما كما حدث مع جميع العرب و الأمازيغ الذين استقروا بعدوة الأندلس، حيث غلبت طباع المدينة طباع البداوة، فالاندلس كانت متقدمة حضاريا مما يعني ان طباع البداوة تختفي داخلها لتشكل دولة ذات هوية متميزة منفتحة و مسلمة كما مكة لكل مسلم الحق في الهجرة والاستقرار بها ان شاء.. هكذا هي المدنية دائما تبتلع المجتمع الريفي وتقضي على خصائصه… وقد تجد قائلا بأن الثقافة العالمة تستطيع الهيمنة على الثقافة غير العالمة، وهذا لايعني غياب التأثير والثأثر في باقي المستويات بين هاتين الثقافتين… وإنما يعني ان أثناء عمليات الثأثير والتأثر المستمرة بين الطرفين لابد ان يكون هناك انتصار في مستوى معين لطرف على طرف آخر حتى تحدث الهيمنة ويحدث التعايش السلمي او التعايش المشروط او التعايش القهري، او التعايش في حالة حرب.
ولعل مضامين الروايات الشفهية لسكان المنطقة الذين جمعنا لهم الموضوع، فإن الرواية الشفهية تكاد تخلو من ذكر وجود صراعات كبيرة وحروب بين السكان الأصليين وبين الوافدين، على العكس كل الروايات تؤكد تعايش الجيل الأول مع السكان الاصلين وتبادل الخبرات والمعارف االفلاحية والحياتية… وتجدر الاشارة ان اولى الهجرات التي شهدها المغرب وشمال افريقيا قبل الميلاد هي هجرة الجالية اليهودية ابان السبي البابلي وابان غزو شيشنق الليبي لفلسطين واحتلاله ستة وخمسين مدينة فيها، وقد تميزت هذه الجالية باتقانها لعدة صنائع وحرف لابد وان السكان الاصلين قد استفادو منها كما استفادوا من الاحتلال الروماني كذلك فيما بعد ليأتي الفتح/العزو الإسلامي، وهجرات عرب بنو هلال تم هجرات الاندلسين واليهود ابان سقوط الاندلس واثناء محاكم التتفتيش، حيث كان لمنطقة الريف بجبالها الممتدة النصيب الاكبر من الاسر الوافدة على عدوة المغرب، حيث استقر بالمنطقة عددا كبيرا من هاؤلاء الأسر الامازيغة الاندلسية او العربية الاندلسية، خصوصا وان عددا كبيرا من المغاربة الأمازيغ استقروا في الأندلس لقربها من المغرب أولا ونظرا لكون المغاربة حكموا الأندلس وحموها لعقود وكانوا دائما في الصفوف الأمامية في المعارك والحروب التي خاضتها هذه العدوة، حلم العرب والعجم آنذاك.
ونظرا لقرب المنطقة من عدوة الاندلس لا نستبعد ان تكون بعض الاسر العربية قد تعرفت على اسر من أصول أمازيغية تنتمي للريف المغربي الكبير في عدوى الأندلس، كما قد يكون قد حصل بينهما تصاهر وزواج وذرية ومصالح مشتركة، وربما قد كانت هناك زيارات للمنطقة الريفية او احتكاك بها من طرف سكان عدوة الاندلس أثناء رحلة الحج..
وكون مدينة القصر الكبير وهي نقطة نهاية الريف الكبير ومنطقة جبالة، كانت مركزا تجاريا مهما على الطريق التجاري القديم، فإننا لا نستبعد زيارة الاسر الاندلسية او استقرارها بالمنطقة قبل حتى سقوط الاندلس، زمن الموحدين … كما لا نستبعد كذلك استقرار اسرا مغربية بالمناطق العربية أثناء دهابها او عودتها من مناسك الحج.
وانطلاقا من المعطيات أعلاه، فإننا لن نجازف اذا قلنا ان مصير الحضارة والثقافة الامازيغية بجبال الريف الكبير، هو مصير جميع الثقافات الشفهية، الثقافات التي لم تطور لغتها وابجديتها وتكيفها مع مقتضياتها اليومية، وبحكم ان اليهود و العرب والاندلسين عرب وامازيغ هم من استقروا بالمنطقة فلا عجب ان هيمنت تقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم على نمط الحياة بمقدمة جبال الريف.. ليعطينا هذا التعايش مجتمعا متميزا وفريدا من نوعه اسمه جبالة، هذا المجتمع المتحضر الذي نقل أجمل ما في الأندلس وبقاع أخرى إلى المنطقة الجبلية والريفية، وحافظ على التراث الأمازيغي المادي واللامادي.. حيث تعتبر الاحتفال بالحاكوز كراس السنة الفلاحية الامازيغية يوما وطنيا لاشغل فيه ولاعمل قبل ان ترسم أمازيغية باجدير او مع عصيد او أخنوش او غيره…