ذ جمال الرداحي باحث في سلك الدكتوراة
نظمت جمعية مدرسي الاجتماعيات بالقصر الكبير ومحيطها، ندوة علمية حول كتاب “تازة وإقليمها في عصر بني مرين 609/916هـ/ 1212/1510م” للدكتورة سميرة التراب، وهو كتاب يعالج موضوع له أهمية كبيرة ، وهو علاقة المدينة بإقليمها خلال العصر الوسيط على مستويات متعددة يتداخل فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري، فهي دراسة مونوغرافية لمدينة تازة وإقليمها، ومثل هذه الدراسات التي تحدد مجالات زمنية ومكانية ضيقة تقدم نتائج دقيقة ومفيدة، وتجعل الباحث يتخلص من التعميمات التي تسبح فيها الدراسات التاريخية للمغرب بأكمله أو لبعض المناطق الواسعة، فالدراسة المونوغرافية أثبتت أنه لا يمكن إنتاج دراسات تاريخية علمية ومضبوطة للمغرب إلا إذا جزء هذا التاريخ إلى وحدات زمنية ومكانية تسمح باستغلال الوثائق المحلية.
كتاب “تازة وإقليمها في عصر بني مرين 609/916هـ/ 1212/1510م” هو نموذج للدراسات المونوغرافية ذات الأهمية الكبيرة نظرا لإلمامه وإحاطته بجوانب متعددة لمدينة تازة وإقليمها، وعدم الاقتصار على موضوع واحد.
كتاب الدكتورة سميرة التراب هو في الأصل أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ نوقشت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية بفاس سنة 2010 تحث إشراف الدكتور القدير مولاي هاشم العلوي القاسمي، صدر الكتاب سنة 2020 عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، هو كتاب من الحجم الكبير عدد صفحاته 428 صفحة، قسمته المؤلفة إلى خمسة فصول بالإضافة إلى الفصل التمهيدي ثم تقديم عام وخاتمة ولائحة المصادر والمراجع.
من خلال تصفح الكتاب يتبين أن الدكتورة سميرة اعتمدت على بيبليوغرافية غنية ومتنوعة باللغة العربية واللغة الأجنبية، وصلت إلى حوالي 233 ما بين المخطوطات والمصادر والمراجع والمقالات، وبما أن الأمر هنا يتعلق بدراسة مونوغرافية لمدينة تازة تهم مستويات متعددة منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري والمعماري، وكذلك الانطلاق من إشكالية أساسية، وهي علاقة المدينة التي هي تازة بإقليمها أي البادية المحيطة بها فإن المؤلفة اعتمدت بشكل كبير على كتب الجغرافيا والرحلات ككتاب الاستبصار الذي قدم معلومات متنوعة خاصة في الجانب المعماري، وكتاب وصف افريقيا للحسن الوزان الذي عاش في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي وكتاب روض المعطار ونفاضة الجراب في علالة الاغتراب ومعيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار لابن الخطيب وكتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لأبي فضل الله العمري. كما اعتمدت على كتب التاريخ العام كالبيان لابن عذاري والذخيرة السنية وروض القرطاس لابن أبي زرع والعبر لابن خلدون بالإضافة إلى كتب السير والتراجم خاصة في ما يخص أعلام مدينة تازة من قضاة وفقهاء وعلماء، وكتب النوازل التي أفادت الشيء الكثير الشق الاجتماعي والاقتصادي كذلك، فكلها كتب وفرت المادة المصدرية لانجاز هذا العمل والإحاطة بجوانبه المتعددة سواء تعلق الأمر بالجانب السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الفكري أو المعماري وحتى الجغرافي، لكن تبقى للحوالات الحبسية أهمية كبيرة في تزويد الباحثة بمعلومات ومعطيات وافرة حول اقتصاد تازة وإقليمها ومورفولوجية المنطقة والجوانب الاجتماعية كذلك وغيرها، فهي تضم معطيات ومعلومات حول الحياة العامة بمدينة تازة وإقليمها، كما اعتمدت المؤلفة على مراجع حديثة.
يغطي الكتاب فترة زمنية تمتد من سنة 609هـ/1212م إلى 916هـ/1510م أي من انهزام الموحدين في معركة العقاب والسنوات الأخيرة من عمر الدولة الموحدية مرورا بفترة حكم المرينيين إلى الفترة الوطاسية، أما على مستوى المكان فقد حددته المؤلفة في مدينة تازة وإقليمها.
خصصت الدكتورة الفصل التمهيدي للحديث عن أصل تسمية مدينة تازة ووضعيتها الجغرافية وأهمية الإطار الطبيعي في تحديد المسار التاريخي للمجموعات البشرية في تازة وإقليمها، ثم الوضع الديمغرافي وكذلك المجتمع التازي وبعض جوانب الحياة الاجتماعية بتازة وإقليمها.
أما الفصل الأول فقد خصصت المبحث الأول منه للأوضاع السياسية إلى حدود انهزام الموحدين في معركة العقاب سنة 609هـ أما المبحث الثاني فخصصته للتطورات السياسية بالمنطقة ما بين 609هـ/ 916هـ وموقع تازة في الصراع المريني الموحدي ثم الصراع المريني الزياني.
أما الفصل الثاني فقد تناولت المؤلفة من خلاله النشاط الاقتصادي بتازة وإقليمها لتقسمه إلى ثلاثة مباحث الأول هم الجانب الفلاحي من خلال الوقوف على وضعية السكان في البوادي وطرق الاستغلال وأساليب الري وأنواع الأراضي والإنتاج الفلاحي بالمنطقة والمبحث الثاني خصص للصناعة ووضعية الصناع بالمدينة وأنواع الصناعات التي كانت سائدة بتازة وإقليمها والمبحث الثالث اهتم بالنشاط التجاري من خلال تبيان أهمية موقع تازة في ربط الاتصال بين المراكز التجارية بالإضافة إلى الأسواق ثم دور القوافل في تنشيط التجارة بتازة وإقليمها.
أما الفصل الثالث فخصص للحديث عن التطور العمراني بتازة وإقليمها خلال الفترة المرينية وقسمت الدكتورة هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث: الأول تناول العمارة العسكرية والثاني العمارة الاجتماعية والدينية كالمساجد والمدارس والفنادق والمنشآت المائية ثم العمران الاجتماعي في بوادي تازة، والثالث حصص للمنشآت الصناعية والتجارية.
أما الفصل الرابع فقد تناولت فيه الدكتورة الحياة الثقافية بالمدينة وإقليمها من خلال ثلاثة مباحث، الأول حول دور العلم في مدينة تازة ودورها في ازدهار النشاط الثقافي من خلال تدريس العلوم بها كالجامع الأعظم والمدارس والزوايا، والمبحث الثاني خصص للمجتمع من خلال أعلام تازة وإقليمها والتي رصدت من خلاله المؤلفة علماء وقضاة وأدباء وعلماء الكلام بالمدينة، وفي المبحث الثالث حددت المؤلفة الأدوار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لعبها الفقهاء في المغرب المريني.
أما الفصل الخامس والأخير فتناولت فيه مؤلفة الكتاب مظاهر التراث الشعبي لتازة ولإقليمها في عصر بني مرين.
يعتبر كتاب “تازة وإقليمها في عصر بني مرين 609/916هـ/ 1212/1510م” مرجعا مهما لدراسة المدينة المغربية في علاقتها بالبادية خلال العصر الوسيط هذا بصفة عامة، كما يعتبر مرجعا مهما لدراسة مدينة تازة وإقليمها خلال العصر الوسيط، فهو يقدم للباحث في التاريخ معطيات غزيرة تهم جوانب متعددة سواء تعلق الأمر بالتاريخ السياسي للمنطقة أو الاقتصادي أو الاجتماعي بالإضافة إلى الفكري والعمراني، أي أن المؤلفة أحاطت بتاريخ مدينة تازة وإقليمها من جوانب متعددة مما يفتح للباحث إمكانات مهمة للاعتماد على هذا الكتاب في مواضيع متعددة.