يوميات معتقل سابق (8) قلق المحاكمة .

6 يناير 2023

ذ . إدريس حيدر

أُشْعِرْنَا من طرف إدارة السجن ، أن علينا الاستعداد من أجل المثول أمام المحكمة ، لان محاكمتنا ستنطلق صبيحة الغد.
تلك الليلة هجر النوم جفوني و أصابني الأرق ،قضيت وقتا طويلا و أنا أحضر تصريحي الذي سأتفوه به أمام القاضي.
و صممتُ على عرض قناعاتي و إذا اقتضى الأمر مساءلة الدولة على سياساتها البعيدة عن تحقيق آمال و طموح المواطنين و التأكيد على أنه لم يتم إيقافي في الشارع و انا أتظاهر بل تم اختطافي و صديقي من المنزل الذي كنا نقيم فيه.
قضيت وقتا غير قليل و أنا أرتب أفكاري التي أود تمريرها للراي العام بمناسبة هذه المحاكمة ، و في تلك الأثناء استعدت شريط التعذيب الذي مورس عليَّ كما رفاقي ، بُغْيَة إرهابي و اختلاق أحداث غير حقيقية و اعتباري و غيري ، المحرضين و الفاعلين الأساسيين للاضطرابات التي وقعت في بعض المدن المغربية .
ارتدت ذاكرتي كذلك إلى تلك اللحظات الرهيبة و المريرة ، و إلى ذلك المكان الذي كنت كما غيري نُعَذَّبُ فيه و تمارس علينا أبشع أشكال التنكيل .
مكان لا يشبه الأمكنة، تُشتم فيه رائحة الموت ،فضاء موحش و بارد و لا تدخله الشمس ، و مظلم إلا من ضوء خافت .
أصوات المعذبين ،أنينهم، صراخهم ،آهاتهم و استغاثاتهم كانت تُسمع في كل البناية التي كنا محتجزين فيها.
في تلك الليلة الرهيبة أدخلني أحد ” الحجاج ” – و هذا هو الاسم الذي كان يُنادى به الجلادون- إلى تلك الغرفة المقفرة، و على عيني خرقة نتنة (بانضة) ،لكي لا اتعرف على الجلادين.
اجلسني على أحد المقاعد التي كانت باردة جدا و كأن الماء رُشَّ عليها ، و انطلق يكلمني و يوهمني بأنه لطيف ،طيب و إنساني .
و يحاول إقناعي بالتعاون معه ، و أدركت أن المسرحية التي كان بصدد ترتيبها ،كانت سخيفة و تافهة .
كما كنت اعي أن شخصا آخر يوجد في نفس الغرفة أي ” حاج” آخر ، كان هو من يدير و يشرف على عمليات التعذيب و الإستنطاق . و تأكد لي صحة تخميناتي ، عندما رمقته ، بعد أن تراجعت و ارتفعت قليلا الخرقة التي كانت مثبتة على عيني بفعل حركات جسدي و رأسي أثناء التعذيب.
بعد ذلك عُلِّقْتُ ، و لم أكن أدري كيف كانت وضعية جسمي ، فقط شعُرْتً بأن يدي و رجلي كانتا مربوطتين إلى الأعلى ،و أحسست و كأن ثقلا كبيرا وُضِعَ على عمودي الفقري .
إنها ” الطيارة ” إحدى تقنيات التعذيب الخبيثة و المقيتة .
أُغْمِي علي أكثر من مرة ، و شعرت في إحدى اللحظات أنها نهايتي.
و انا استعرض هذا الشريط المرعب ، أحسست برغبة في الغثيان .
رجعت من شرودي و تذكري إلى حالتي العادية ، و قررتُ أن أفضح في المحاكمة أجهزة الدولة الاستبدادية و القمعية ، و أن أسائلها عن خروقتها الفظيعة لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.

يتبع..

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading