ذ . إدريس حيدر
أُشْعِرْنَا من طرف إدارة السجن ، أن علينا الاستعداد من أجل المثول أمام المحكمة ، لان محاكمتنا ستنطلق صبيحة الغد.
تلك الليلة هجر النوم جفوني و أصابني الأرق ،قضيت وقتا طويلا و أنا أحضر تصريحي الذي سأتفوه به أمام القاضي.
و صممتُ على عرض قناعاتي و إذا اقتضى الأمر مساءلة الدولة على سياساتها البعيدة عن تحقيق آمال و طموح المواطنين و التأكيد على أنه لم يتم إيقافي في الشارع و انا أتظاهر بل تم اختطافي و صديقي من المنزل الذي كنا نقيم فيه.
قضيت وقتا غير قليل و أنا أرتب أفكاري التي أود تمريرها للراي العام بمناسبة هذه المحاكمة ، و في تلك الأثناء استعدت شريط التعذيب الذي مورس عليَّ كما رفاقي ، بُغْيَة إرهابي و اختلاق أحداث غير حقيقية و اعتباري و غيري ، المحرضين و الفاعلين الأساسيين للاضطرابات التي وقعت في بعض المدن المغربية .
ارتدت ذاكرتي كذلك إلى تلك اللحظات الرهيبة و المريرة ، و إلى ذلك المكان الذي كنت كما غيري نُعَذَّبُ فيه و تمارس علينا أبشع أشكال التنكيل .
مكان لا يشبه الأمكنة، تُشتم فيه رائحة الموت ،فضاء موحش و بارد و لا تدخله الشمس ، و مظلم إلا من ضوء خافت .
أصوات المعذبين ،أنينهم، صراخهم ،آهاتهم و استغاثاتهم كانت تُسمع في كل البناية التي كنا محتجزين فيها.
في تلك الليلة الرهيبة أدخلني أحد ” الحجاج ” – و هذا هو الاسم الذي كان يُنادى به الجلادون- إلى تلك الغرفة المقفرة، و على عيني خرقة نتنة (بانضة) ،لكي لا اتعرف على الجلادين.
اجلسني على أحد المقاعد التي كانت باردة جدا و كأن الماء رُشَّ عليها ، و انطلق يكلمني و يوهمني بأنه لطيف ،طيب و إنساني .
و يحاول إقناعي بالتعاون معه ، و أدركت أن المسرحية التي كان بصدد ترتيبها ،كانت سخيفة و تافهة .
كما كنت اعي أن شخصا آخر يوجد في نفس الغرفة أي ” حاج” آخر ، كان هو من يدير و يشرف على عمليات التعذيب و الإستنطاق . و تأكد لي صحة تخميناتي ، عندما رمقته ، بعد أن تراجعت و ارتفعت قليلا الخرقة التي كانت مثبتة على عيني بفعل حركات جسدي و رأسي أثناء التعذيب.
بعد ذلك عُلِّقْتُ ، و لم أكن أدري كيف كانت وضعية جسمي ، فقط شعُرْتً بأن يدي و رجلي كانتا مربوطتين إلى الأعلى ،و أحسست و كأن ثقلا كبيرا وُضِعَ على عمودي الفقري .
إنها ” الطيارة ” إحدى تقنيات التعذيب الخبيثة و المقيتة .
أُغْمِي علي أكثر من مرة ، و شعرت في إحدى اللحظات أنها نهايتي.
و انا استعرض هذا الشريط المرعب ، أحسست برغبة في الغثيان .
رجعت من شرودي و تذكري إلى حالتي العادية ، و قررتُ أن أفضح في المحاكمة أجهزة الدولة الاستبدادية و القمعية ، و أن أسائلها عن خروقتها الفظيعة لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
يتبع..