“عقبات في الطريق”

11 نوفمبر 2022

_ الخليل القدميري

بعد فترة قضيتُها في كُتّاب بعدْوة “الشريعة”، بدأتُ مرحلة جديدة، رافقتُ خلالها أصغر أعمامي إلى المدرسة الحرة بالمدينة. شعرت بفخر لوجودي، بجانب عمّي، في قسم الكبار، أتابع عن كثب ما يقع في فضاء رحب، كثرت حجراته ومرافقه وتنوع تلاميذه ومعلموه. عجبت أن لا يثير وجودي، بتلك الصفة، بين الكبار أي إشكال، ولم أعرف أي حجة قدّم عمي لكي يتم قبولي مرافقاً له. ومهما كان الأمر، فإن وضعيتي، تلك، مكنتني من التعرف على تلاميذ وتلميذات ورجال تربية وتعليم، تكونت منهم نواة النخبة الحضرية في المدينة، سواء في ميدان السياسة أو الفن أو الإدارة.

التحقت، بعد موت الوالد، بمدرسة عمومية مجاورة، هي الأخرى، للجامع الأعظم بعدْوة “باب الواد”؛ قضيت بها ثلاث سنوات من عمري، تعلمت خلالها القراءة والكتابة والحساب، وحفظت بعض سور القرآن الكريم. وبفضل السي التهامي السهولي، تعلّمتُ النطق السليم ببعض الكلمات والجمل باللغة الإسبانية وأُغرمْتُ بشاعرية هذه اللغة. كما كنت ضمن المحظوظين ممن تذوّقوا أطباقاً تفنّنتْ في إعدادها سيدتان ذاع صيتهما في المدينة، واستمتعت باللعب في ساحة “السوق الصغير” أثناء فترات الاستراحة.

أذكر، مبتسماً، أني كنت مُجدّاً، مواظباً على الحضور باكراً، فأُسْنِدُ ظهري إلى سور قبالة باب المدرسة، هو جدار للدار التي دفن فيها جثمان سان سيباستيان، ملك البرتغال، بعد نقله إليها من ميدان معركة وادي المخازن.

أحتفظُ بذكريات طريفة عن الفترة التي قضيتها بهذه المدرسة، سواء مع زملائي أم مع جل المدرسين الذين ربطتني بهم علاقات طيبة، خاصة مع من لا يحملون العصا في أيديهم وهم يمارسون مهنتهم النبيلة. وما كان يثير حفيظتي هو أن يأتي إلينا، في مطلع السنة الدراسية، رجل جميل الطلعة، طويل القامة، يرفل في جلباب صوفي مهيب، ونحن جلوس على ألواح خشبية تحاذي الأرض، تشرئب أعناقنا إليه، ثم يشرع، بدون مقدمات، في سرد أسماء يحفظها عن ظهر قلب، مشيراً إلى أصحابها بالصعود إلى الطابق العلوي للمدرسة. أما أنا، فكنت أتحرق إلى إشارة السيد المدير، لكنه كان يصر على حرماني منها، ويُشيح بوجهه عني، لتحطّ عيناه على غيري، ويتأجل موعد انتقالي إلى القسم الأعلى. تكررت هذه العملية مرة أخرى، أحزنتني الأولى، وانهمرت دموعي غزيرةً في المرة الثانية؛ إذ تسرب اليأس إلى نفسي، وراودتني فكرة الانقطاع عن الدراسة، بل بدأت أتغيّب من أجل التسكع على ضفاف “الواد الجديد”، وارتياد الحلقة للفرجة وإشباع نهمي في اللعب بفضاءات خضراء، زخرت بها ضواحي المدينة. وحين لاحظت جدتي عدم توافق مواعيد عودتي إلى البيت مع أوقات الخروج المدرسي، ألحت علي، بشدة، لأعود مرغماً إلى متابعة دراستي.

صادفتْ عودتي إلى المدرسة واقعة نهاية عهد الحماية؛ ففتِحت، لأبناء المغاربة، أبوابُ المدرسة الإسبانية المسماة، آنذاك، ب “المجموعة المدرسية الاسبانية”، القريبة من قصر البلدية، واجتزت امتحاناً شفوياً التحقت على إثره بقسم الابتدائي الثاني. وبحكم تفوقي في الفصل الأول من السنة الدراسية، التحقت مع مجموعة من زملائي بالمتوسط الأول، وفي السنة الموالية اجتزت بنجاح امتحان الالتحاق بالثانوي… مدينة كيبك 4 نونبر 2022.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading