ذ . إدريس حيدر
تم اقتيادي بصحبة صديقي في يناير 1984 من طرف رجال المخابرات إلى مفوضية الشرطة ، و كان ذلك على ضوء المظاهرات التي كانت قد شهدتها بعض المدن في البلاد ،حيث نزلت الجماهير إلى الشوارع في مسيرات صاخبة لإدانة السياسة الحكومية التي كانت نتائجها وخيمة بالنسبة لسواد الأعظم من الشعب الفقير .
أُدْخِلْتُ و صديقي و معتقلين آخرين إلى إحدى الغرف ذات المساحة الكبيرة .
كانت باردة و مظلمة و يسودها صمت رهيب ، و أدركت بعد وقت قصير أن هناك في نفس المكان أشخاص آخرون ، و فيما بعد سأعرف انهم معتقلون مثلي.
كان المكان يشهد حركة غير عادية ،و لم نكن و رفاقي نعلم سبب ذلك ، و قضينا اليوم كله على ذلك الحال .
و في المساء و لم نكن نعلم التوقيت ،سمعنا موسيقى النشيد الوطني تُعْزفُ ، و اعتقدنا أن الملك ربما سيلقي خطابا ،إلا اننا لم نعرف المناسبة ، خاصة و أن الزمان كان بداية يناير الذي لا يصادف أي مناسبة وطنية باستثناء 11 يناير ذكرى المطالبة بالاستقلال ، و لم يكن ذلك اليوم .
و بالفعل بدأ الملك يوجه خطابه إلى الشعب المغربي .
لم يكن صوته يصلنا بوضوح ،و بعد إتمامه ،عُزِف النشيد ثانية .
و فجأة اقتحم المسؤولون الأمنيون تلك الغرفة ،و وضعوا خِرَقاً متسخة على أَعْيُنِنَا ،لكي لا نتمكن من معرفة الأشخاص الذين سيباشرون الاستنطاق معنا .
و فهمنا و كأن الخطاب الملكي كان إيذانا بفتح أبواب جهنم للمعتقلين .
بدأ رجال المخابرات الذين يُسمون ب ” الحجاج” يسوقونهم
الواحد تلو الآخر إلى قبو ، كان المكان عبارة عن مجزرة بشرية .
كان فضاءه رهيبا و موحشا، بظلمته و برودته.
هناك انطلق تعذيبنا مباشرة بعد خطاب الملك الذي نعت شعبة ب” الاوباش” ،و كأنني به أعطى الضوء الأخضر بالشروع في اعتقالات واسعة وسط النشطاء السياسيون و ممارسة التعذيب و الوحشية عليهم .
هناك استمر ذبحنا، تعذيبنا و إهانتنا لمدة ليست بالقصيرة
كان الجلادون في أغلب الأوقات في حالة سكر أو تخدير ،حيث كانت انفاسهم نتنة و تنبعث منها روائح الكحول.
كانوا يتلفظون كلاما بذيئاو ساقطا ، يتضمن كلمات مهينة بكرامة الإنسان و احتقارا و قتلا لإنسانيته.
كانت حصص التعذيب متنوعة ، تتم أحيانا بالصعقات الكهربائية و خاصة في المناطق الحساسة كالجهاز التناسلي ، و غطس رؤوس المعتقلين في براميل تتضمن مياها نتنة مخلوطة بالبول ،حيث كان المعذبون يبلعون منها كميات لا بأس بها ، و كذا استعمال ما اصطلح عليه ب” الطيارة ” و هي آلية من آليات التعذيب الفتاكة .
توالت حصص التعذيب ، و مكثت بصحبة رفاقي هناك لمدة ، بأيادي مكبلة و بأعين معصوبة ، مفترشين الارض في أيام فصل الشتاء الباردة .
كما كان يمارس علينا نوع آخر من التعذيب و هو النفسي خاصة أثناء اقتيادنا للمراحض من أجل قضاء حاجتنا.
انتفخت أجسامنا بفعل البرد القارس ، و طال شعر لحانا و رؤوسنا .
أخيرا صدر الأمر بعد أن طُبِخت الملفات بإحالتنا على المحكمة من أجل إجراء محاكمة صورية .
في بابها مكثنا واقفين للحظات و كنا نبدو و كأننا خرجنا للتو من أحد الكهوف بألبسة رثة و وجوه متسخة و جثث منفوخة .
يتبع…