ذة : سمية نخشى
سعادتي كانت عارمة ، و لم تكن لتوصف، كوني كنت ساصبح، و لأول مرة ، عمة، لهذا كنت اتوق لرؤية الضيف الصغير القادم ، و كنت متلهفة و متوثبة لمعرفة جنس الجنين،، و حين سألت زوجة أخي عن ذلك ، اجابتني بأن معرفة هذا الشيء أمر مؤجل ، فعنصر المفاجأة مستحسن في مثل هذا الظرف .باركت الفكرة و لذت بالصمت ، و قلبي يرقص فرحا ، فهذا شقيقي ، توأم روحي عبد القادر سيرزق خلفا ، يزدان به فراشه، يمتد به نسله ، يشتد به ازره، و الجميل انه سيزيد به عدد أفراد العائلة ، فأنا مناصرة لمسألة التكاثر ،المعقول طبعا ، و أجده مصدر قوة و ” عزوة ” ، و لطالما كنت ، بعد ذلك ، أحثه على الإنجاب، لكنه كان يرفض مكتفيا بقمريه: سكينة و سلمى ، كما كان يحلو له وصفهما .
كانت أفكاري تتداعى، و ذكريات طفولتنا ، انا و فقيدي ، تنساب متدفقة تشي بالكثير من المحبة التي لا ينضب معينها، و المودة التي لا تفتر سيولها .
أعادني صوتها للحظة و للمكان الذي كنا نوجد به ، حين أردفت تخبرني بأنه أقترح عليها أمرا ، و هو أن تتولى هي تسمية المولود الذكر ، في حين هو من يسمي المولودة البنت . استغربت الفكرة في البداية ، فالاحرى به ، على غرار الرجل المغربي و الشرقي أيضا ان يستأثر بتسمية ولي العهد المنتظر ، عكاز والديه، سند اخواته و حامي الإرث من سطوة المعصبين في حال وجوده. لكن سرعان ما زال استغرابي حين تابعت حديثها قائلة :” و قد اختار لها من الأسماء اسم سمية ” . حينها تأججت مشاعري ، و اغرورقت عيناي بالدموع إذ علمت أن فقيدي يبادلني نفس المحبة و الأهم انه يعتز بي.
هل تعرفين معنى أن يطلق اخوك إسمك على ابنته البكر ، أن يختاره مكونا لهويتها، أن يسجله بدفتره الخاص بالحالة المدنية ، أن يحتفل به يوم عقيقتها ، أن يناديها به كل يوم و كل لحظة و ان يصاحبها طول العمر.
كان هذا يعني لي الشيء الكثير و الكثير و الكثير……
لقد عبر اخي بطريقته تلك ، عن مشاعره تجاهي، فنحن أسرة، للأسف و كأغلب المغاربة لا نحسن و لا نجيد التعبير عن مشاعرنا الطيبة . تربيتنا كانت نوعا ما صارمة و قاموسنا يفتقر للأساليب الناعمة ، لهذا تجدنا نعبر بالأفعال و ليس بالأقوال، و ها هو أخي يبرع في التبليغ.
صحيح أن الأمر لم يتم لان البعض اعترض على الإسم بمبررات مختلفة ، و كنت أولهم ، لأنني أميل للاعتقاد بأن ” لكل إمرىء من إسمه نصيب ” ، و لا أريد للمولودة نصيبا من الشهادة أو التضحية ، أيا كانت القضية ، فسمية زوج ياسر هي أول شهيدة في الإسلام، و كان الرسول (ص) يخاطب أسرتها قائلا ” صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة. ”
لهذا فضلت لها إسما تفوح منه نسائم السعادة و الفرح.
كانت المولودة بنتا مباركة ، اختير لها يوم عقيقتها اسم ” سكينة ” مع الإبقاء على حرف السين رمز إمبراطوريتنا ، لكن لم يكن هو من أسماها ، إذ تنازل عن رغبته ارضاءا للآخرين .
جعلها الله سكينة و طمأنينة لنفسها و لأهلها و بارك لنا فيها قرة عين.
أما بالنسبة لي فهي دائما سمية ، و كم اتمنى ان تبادلني نفس محبتي لها و لشقيقتها سلمى ،و أن تكون لي الإبنة التي لم ألدها، و ان كنت أدرك جيدا أن للأيام أقوالها و للاقدار أحكامها .
لقد أطعمني أخي ملح الأخوة ، و كنت مستعدة لإطعامه كل توابلها و بهاراتها و اسقيه دمي لو طلبه.
لكن المحبة هي فعلا كما يرى دوستوفسكي ” عذاب، فاحبابنا هم مصدر عذابنا حين نفقدهم ، هم من يوجعنا غيابهم، و من تظل لحظات سعادتنا ناقصة بدونهم، لهذا ربما قال أحدهم: أحبابنا الذين طال نومكم، لماذا لا تزالون مستيقظين في أرواحنا و ربما أضاف آخر : ماذا لو كان أحبابنا نجمة في السماء نتاملهم كل ليلة . ” ليخلص دوستوفسكي إلى أن المحبة استبداد و تسلط روحي بل عبودية ، لهذا فالتخلص من عذاب محبة أحبابنا كلمة موفقة جدا، جدا
سمية نخشى في 06\11\2022.