- بقلم : الأستاذ أحمد العبودي.
ليست الكلمة عند رجل السياسة مجرد صيحة في واد، وإنما هي عقدٌ أخلاقي يربطه بوطنٍ ينتظر وفاءه وشعبٍ يراقب سلوكه.
وحين يندفع السياسي فيتفوه بلفظة نابية، فإنها لا تُسجَّل عليه كزلة لسان، وإنما تغدو شهادة دامغة على مستوى سقوطه وانحطاطه. وأما إن كانت كلماته نظيفة فهي ترفع مقامه، وتعلي من شأنه، وإن كانت بذيئة فضحته وعرّت حقيقته أمام الجميع.
والسياسي الذي يطلق العنان لشتائمه إنما يعبث بالسياسة ويلهو بها ، ويزرع يقينًا مرًّا، مفاده أن الخطاب السياسي لم يعد أداة بناء وتأطير، بل أضحى منحدرا أخلاقيًا تُداس فيه القيم وتُستباح فيه هيبة الناس وكرامتهم.
فالكلمة السوقية من فم السياسي تمثل انفعالًا طائشًا؛ وإساءة معنوية بالغة، للوطن ولمؤسساته، لأنها تهدم الاحترام وتربك المشهد العام وتنزع ما تبقى من ثقة الناس في السياسة.
على السياسي أن يدرك أن الناس لا يحاسبونه على برامجه فقط، إن كانت هناك برامج ، بل على ألفاظه التي تكشف حقيقة معدنه قبل أفعاله، وتدل على أخلاقه قبل مواقفه. فكل كلمة نابية ينطق بها تترك أثرها العالق في نفوس المواطنين، فإن كانت مهينة أظلمت صورته وسوَّدتها، وإن كانت راقية أنارت مكانته ورفعت قدره ومقداره.
ومن واجب رجل السياسة أن يجعل لسانه ميزان عدل وحكمة ، وعليه أن يحذر من أن يجعله خنجرا لفظيا يطعن به زملاءه من حوله ، فحضارة الأمة لا تُبنى على خطابات ساقطة أو لغة فاقدة للحكمة والوقار.
والمجتمع الذي يحترم السياسة يبدأ من سياسي يحترم لغته ومعجمه التداولي، فيرتقي بكلمته، ويجعلها عنوانا لمروءته، لا شاهدا على سقوطه وإسفافه.
هكذا تبقى الكلمة مسؤولية، لا يحملها بحق إلا من جعل الاحترام مبدأً، والتهذيب قيمة، وآمن أن اللغة السياسية مرآةً لأخلاق الأمم قبل أن تكون وسيلة للتخاطب بين للناس.
