إشراقة : لا و لن أنساك

منذ 5 ساعات

ذ. ادريس حيدر .
يخلد العالم يوم : 10|12|1948 ، الذكرى 77 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
و الجدير بالذكر ، أن هذا الإعلان تم من طرف الجمعية العامة في باريس ، غداة الحرب العالمية الثانية .
و قد صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية و الثقافية من جميع أنحاء العالم .
و تنص مادته :1 ، على ما يلي :
” يولد جميع الناس أحرارا و متساوون في الكرامة و الحقوق .”
و تنص م. 2 ، على ما يلي :
” لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق و الحريات المذكورة في هذا الإعلان ، دونما تمييز من أي نوع ، و لا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا و غير سياسي ، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر ”

و من المعلوم أن الحركة الحقوقية المغربية فقدت في هذه السنة فارسا مقداما و مناضلا فذا من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان و التصدي للانتهاكات التي تطالها و العمل على صيانة هذه الحقوق كما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
و كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب ، قد أقام حفل تكريم لهذه القامة الحقوقية ، بمناسبة المعرض الدولي للكتاب و ذلك مساء : 16|2|2018 .
و كنتُ قد شاركتُ في تلك الأمسية بنص إبداعي إكراما له .
و أود أن أعيد نشره بهذه المناسبة ، و قد سبق لي أن ضمنته في عملي الإبداعي الأول :” ذاكرة الرماد ”

المناضل البهي .

لم أعد أتذكر المناسبة أو السياق أو الزمان الذي تعرفتُ فيه على ذلك الطفل الوسيم الأشقر و الخجول .إنما أتذكر جيدا أنني تعرفتُ عليه قبل أن ندرس معا في السنوات الأولى للتعليم الإعدادي .
أثار انتباهي ذلك الفتى بسلوكه الذي يغلب عليه الهدوء ، و أسلوبه الذي تطبعه الوداعة ، كذلك انتبهت باكرا إلى كونه كان نبيها ، ذكيا و سريع البديهة . و مع مرور الوقت و احتكاكي اليومي به ، بحكم مجايلتي له ، عرفتُ أنه رسم في خلده بروفايلات لكل التلاميذ ، فكان يعرف الطيب منهم و الشرير ، كما يقدر الذكي و يميزه عن البليد ، فيما تقديره للأساتذة كان ينطلق من ذكائه و قراءاته الأولى ، و هكذا كان يحترم المقتدر منهم ، و لا يولي أهمية لغيرهم .
لم يكن هذا الفتى استعراضيا في ذكائه أو فهمه ، بل خجولا يلقن من يجالسه من التلاميذ الجواب الصحيح .
رفض قرارا ظالما لمجلس الأساتذة ، مفضلا مغادرة المؤسسة التعليمية على الخنوع .
كبرياؤه ، و عزة نفسه و رفضه الظلم ، كل هذه المشاعر و الأحاسيس و القيم كانت حاسمة في اختياره الصعب . و هكذا أعلن التلميذ النجيب باكرا مناهضته للظلم .
التحق بفضاء التربية و التعليم ، بمدرسة تكوين المعلمين بالرباط .
في تلك المؤسسة التقى شبابا من كل جغرافية البلاد ، كان أصغرهم و أذكاهم .
كانت هذه التجربة غنية ، من حيث التكوين و الإطلاع على فضاءات رحبة .
كذلك تعرف على مثقفين و ساسة و مفكرين ، و تردد كثيرا على ندوات و مجامع فكرية غنية بالنقاشات و المطارحات . إنها مدينة : الرباط ، في بداية السبعينات .
بصمت و بهدوء كبير ، و بنضج هائل ، تكيف مع عالمه الجديد ، فأصبح يتردد عليه في منزله ، بعض طلبة مدرسة المعلمين ، و مناضلو بعض الأحزاب و التيارات التقدمية و اليسارية ، و ثلة من أصدقائه الذين كانوا يدرسون معه في مسقط رأسه و أصدقاء له ، و التحقوا بالجامعة .
صدره كان رحبا ، و احتماله كان كبيرا ، تعامل مع الجميع بأخلاق رفيعة ، و احترام تام لأهوائهم و رغباتهم ، و غض الطرف عن انتهازية بعضهم . و مع مرور الوقت أصبح ذلك الفتى معروفا في الفضاءات الفكرية و السياسية و الحقوقية .
طالته حملات القمع ، و ذاق مرارة الاعتقال ، كما طُردَ من عمله لنضاله المستميت من أجل القيم التي آمن بها ، و انتصاره للفقراء و المستضعفين .
ناضل بقلمه صحافيا عندما كان الزمان جمرا ، و قاد الفعل الحقوقي بكفاءة ، حيث إنه أصبح مرجعا في طروحاته .
آراؤه كانت سديدة في معظمها ، اقتراحاته كانت وجيهة في أغلبها ، فهمه للسياقات كان جيدا في مجمله .
رافقت هذه الرحلة الطويلة معاناة نفسية و جسدية ، كاد أن يهلك من جرائها ، و لازال يحمل في قلبه الكبير أعطابا و ندوبا من تلك الفترات .

و في تلك الربوة الخضراء ، و قبالة البحيرة الزرقاء ، يتردد صديقي المناضل بين الفينة و الأخرى ، حيث أصبحت تحلو له الخلوة هناك ، لكون المكان مسقط رأس أبيه و مهد طفولته .
في ذلك المكان يتأمل ، يراجع ، يخطط ، و يستشرف المستقبل دائما بنفس الرغبة و الحب ، مؤمنا بقيم فضلى لسعادة و رخاء الإنسان .
مستلقيا على مقعد حجري في كوخه القروي ( كما كان يحلو له أن يسميه ) و تحت خميلة مظللة ، و في استرخاء تام ، يتأمل الرجل بنظراته الناعمة ، الأفق حيث الشمس تختفي وراء البحيرة حالما بالغد الأفضل .
يغمض المناضل البهي عينيه ، يصمت ، ثم يبتسم ”

لا و لن أنساك ، أيها الإنسان الرائع .

لروحك السلام و الطمأنينة و السكينة .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading