يوميات محام (03)

27 سبتمبر 2025

– ذ . ادريس حيدر

قال ذات يوم ، ملك فرنسا :” لويس الرابع عشر ”
” لو لم أكن ملكا لفرنسا ، لوددتُ أن أكون محاميا ”

لقاءاتي الأولى بالمحامي :

كان أول لقاء لي بالمحامين و احتكاكي به بشكل مباشر ، أثناء انتصاب ثلة منهم لمؤازرتي و بعض أصدقائي بمناسبة متابعة السيد وكيل الملك جمعية ” مواقف” الثقافية نتيجة لأحد الأنشطة التي كانت قد نظمتها و اعتبرتها السلطات و على وجه الخصوص باشا مدينة القصر الكبير ، الذي كان يناهض الثقافة الحداثية و التقدمية ، و علل تقريره الذي استند عليه السيد وكيل الملك على نوع المحاضرات التي تنظمها الجمعية و الضيوف الذين يؤطرونها و نوع الكتب الموقعة أو المعروضة في مواسمها الثقافية .
و كانت هذه المحاكمة قد لقيت صدى في كل أنحاء المغرب و تضامن مع مكتب الجمعية بسبب تلك الهجمة الشرسة ، اتحاد كتاب المغرب و جمعيات ثقافية من مختلف أنحاء المغرب بل و أحزاب سياسية و تيارات يسارية .
و قد كانت مرافعات المحامين رائعة ، و درسا حول الثقافة الجادة لكل من يهمه الأمر .
و سيتكرر نفس الأمر بمناسبة إضراب أبريل 1979 ، و الذي دعت له الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، و تم اعتقالي و مجموعة من رجال التعليم ، بدعوى الإخلال بالنظام العام و عرقلة حرية العمل …الخ .
و ازددت اقترابا من المحامين في مناسبات عديدة ، كانت آخرها محاكمتي و من معي بمناسبة أحداث يناير 1984.
و قبل ذلك كنتُ قد استمتعتُ بمرافعات خالدة لبعض المحامين ، مؤازرين لمجموعة من المناضلين النقابيين و السياسيين إثر الإضراب العام ل:20 يونيو 1981.و الذي كانت قد دعت له كذلك الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، ضدا على السياسات التي لاتستجيب لمطامح و تطلعات الشعب المغربي .
و كانت هذه المناسبة قد شهدت أحداثا خطيرة ، حيث أطلق الجيش الرصاص على أبناء الشعب ، حيث سقط من بينهم كثير من القتلى ، الذين سماهم أنذاك -تهكما – و زير الداخلية الغير المأسوف عليه : “إدريس البصري ؛” شهداء كوميرة” .
هذه الأحداث و غيرها ، كأحداث انتفاضة الخبز بمصر سنة 1977، و توقيع محامي مصر على سمفونية دفاعية شيقة ، ظلت خالدة في حوليات هيئة الدفاع بمصر و مواقفها الوطنية المشهودة ، جعلتني و دفعتني للاطلاع على تاريخ مهنة المحاماة ، و بعض المرافعات الممتعة و الرائعة لكبار المحامين التي أصبحت سُجِّلت بمداد من فخر في تاريخ هذه المهنة ، و تركت بصمات لا تُمحى من تاريخ الإنسانية .
و بالتالي تكونت لدي قناعة مفادها أن المحامي يُصبح شامخا و سامقا و متوهجا عند دفاعه عن المظلومين و المستضعفين ، و عند امتلاكه و استقوائه بالحق .
و عاينتُ سُمُوهم عن الدنايا و إيمانهم بقضايا أوطانهم ، و هكذا انبهرتُ بنبوغ المحامين في كل أرجاء العالم ، خاصة : مصر ، فرنسا ، إنجلترا ، الولايات المتحدة الأمريكية …الخ .
كما فهمتُ سر اتجاه قادة الحركات السياسية في العالم إلى امتهان مهنة المحاماة و الأمثلة كثيرة .
و إذن و بناء على قراءاتي المتنوعة و المتواضعة المتعلقة بالمحاماة ، أدركتُ أن على كل محام أن يكون متصفا بأنبل الصفات و متخلفا بالأخلاق الحميدة ، و أن يكون فطنا ، مبدعا و نجيبا .
و قد أكد كثير من جمهور الفقهاء أنه إذا لم تتوفر لدى المحامي ملكة الإبداع و الإبتكار ، فلا داعي لامتهانها .
و تفعيلا لدوره داخل المجتمع ، فلزاما عليه المشاركة في الأنشطة المتنوعة : الخيرية ، الاجتماعية ، الثقافية ، و المناقشات العامة المتعلقة بدعم العدالة و حماية و صيانة حقوق الناس و رعايتها و تكوين الروابط المهنية و حضور الندوات و المناقشات و إبداء الآراء بما يخدم البلاد و العباد ، لأن المحامي يعتبر من قادة المجتمع يقوده نحو العلا و التقدم .
هذه هي السياقات ، و كذا الجوانب المغرية في مهنة المحاماة ، التي استقطبتني و سهلت عليَّ اختيارها .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading