– ذ . ادريس حيدر
قال ذات يوم ، ملك فرنسا :” لويس الرابع عشر ”
” لو لم أكن ملكا لفرنسا ، لوددتُ أن أكون محاميا ”
لقاءاتي الأولى بالمحامي :
كان أول لقاء لي بالمحامين و احتكاكي به بشكل مباشر ، أثناء انتصاب ثلة منهم لمؤازرتي و بعض أصدقائي بمناسبة متابعة السيد وكيل الملك جمعية ” مواقف” الثقافية نتيجة لأحد الأنشطة التي كانت قد نظمتها و اعتبرتها السلطات و على وجه الخصوص باشا مدينة القصر الكبير ، الذي كان يناهض الثقافة الحداثية و التقدمية ، و علل تقريره الذي استند عليه السيد وكيل الملك على نوع المحاضرات التي تنظمها الجمعية و الضيوف الذين يؤطرونها و نوع الكتب الموقعة أو المعروضة في مواسمها الثقافية .
و كانت هذه المحاكمة قد لقيت صدى في كل أنحاء المغرب و تضامن مع مكتب الجمعية بسبب تلك الهجمة الشرسة ، اتحاد كتاب المغرب و جمعيات ثقافية من مختلف أنحاء المغرب بل و أحزاب سياسية و تيارات يسارية .
و قد كانت مرافعات المحامين رائعة ، و درسا حول الثقافة الجادة لكل من يهمه الأمر .
و سيتكرر نفس الأمر بمناسبة إضراب أبريل 1979 ، و الذي دعت له الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، و تم اعتقالي و مجموعة من رجال التعليم ، بدعوى الإخلال بالنظام العام و عرقلة حرية العمل …الخ .
و ازددت اقترابا من المحامين في مناسبات عديدة ، كانت آخرها محاكمتي و من معي بمناسبة أحداث يناير 1984.
و قبل ذلك كنتُ قد استمتعتُ بمرافعات خالدة لبعض المحامين ، مؤازرين لمجموعة من المناضلين النقابيين و السياسيين إثر الإضراب العام ل:20 يونيو 1981.و الذي كانت قد دعت له كذلك الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، ضدا على السياسات التي لاتستجيب لمطامح و تطلعات الشعب المغربي .
و كانت هذه المناسبة قد شهدت أحداثا خطيرة ، حيث أطلق الجيش الرصاص على أبناء الشعب ، حيث سقط من بينهم كثير من القتلى ، الذين سماهم أنذاك -تهكما – و زير الداخلية الغير المأسوف عليه : “إدريس البصري ؛” شهداء كوميرة” .
هذه الأحداث و غيرها ، كأحداث انتفاضة الخبز بمصر سنة 1977، و توقيع محامي مصر على سمفونية دفاعية شيقة ، ظلت خالدة في حوليات هيئة الدفاع بمصر و مواقفها الوطنية المشهودة ، جعلتني و دفعتني للاطلاع على تاريخ مهنة المحاماة ، و بعض المرافعات الممتعة و الرائعة لكبار المحامين التي أصبحت سُجِّلت بمداد من فخر في تاريخ هذه المهنة ، و تركت بصمات لا تُمحى من تاريخ الإنسانية .
و بالتالي تكونت لدي قناعة مفادها أن المحامي يُصبح شامخا و سامقا و متوهجا عند دفاعه عن المظلومين و المستضعفين ، و عند امتلاكه و استقوائه بالحق .
و عاينتُ سُمُوهم عن الدنايا و إيمانهم بقضايا أوطانهم ، و هكذا انبهرتُ بنبوغ المحامين في كل أرجاء العالم ، خاصة : مصر ، فرنسا ، إنجلترا ، الولايات المتحدة الأمريكية …الخ .
كما فهمتُ سر اتجاه قادة الحركات السياسية في العالم إلى امتهان مهنة المحاماة و الأمثلة كثيرة .
و إذن و بناء على قراءاتي المتنوعة و المتواضعة المتعلقة بالمحاماة ، أدركتُ أن على كل محام أن يكون متصفا بأنبل الصفات و متخلفا بالأخلاق الحميدة ، و أن يكون فطنا ، مبدعا و نجيبا .
و قد أكد كثير من جمهور الفقهاء أنه إذا لم تتوفر لدى المحامي ملكة الإبداع و الإبتكار ، فلا داعي لامتهانها .
و تفعيلا لدوره داخل المجتمع ، فلزاما عليه المشاركة في الأنشطة المتنوعة : الخيرية ، الاجتماعية ، الثقافية ، و المناقشات العامة المتعلقة بدعم العدالة و حماية و صيانة حقوق الناس و رعايتها و تكوين الروابط المهنية و حضور الندوات و المناقشات و إبداء الآراء بما يخدم البلاد و العباد ، لأن المحامي يعتبر من قادة المجتمع يقوده نحو العلا و التقدم .
هذه هي السياقات ، و كذا الجوانب المغرية في مهنة المحاماة ، التي استقطبتني و سهلت عليَّ اختيارها .