
– بقلم :ذ حميد الجوهري
كنا شبابا متحمسا، شديد الإقدام على مظاهر التدين، على بصيرة من سادتنا المربين الفضلاء، الذين كانوا ينظرون إلينا نظرة العقلاء، على خلاف من يستغل ذلك في معارك الحشد و الغلبة، كانوا متيقنين من أن هذه الأمة قوتها في التوسط و الاعتدال، و أن الله لا يعبد بجهل، و لا يفتح بابا للجهالة..!
استقبلنا الإخوة المربون في الجمعية الإسلامية، ببرامج تربوية متنوعة، حافظت على النفس المغربي الصوفي، الذي يعلي من أمر الذكر و التأمل، و ينبه النفس لآفاتها، فانصروا بحماستنا إلى وجهتها الصحيحة، فكانت الجلسات التربوية حاضنة علمية أيضا، لا تخلو من دراسة كتاب و تلخيصه و مناقشته، و حفظ للقرآن و تفسيره، أو حديث و تأويله، و ذروة سنام ذلك ذكر لله كثير، لأن الإيمان يعلو مؤشره و ينخفض، و من أعظم ذلك التركيز على فضيلة تجديد الإيمان، فيردد المربي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“جددوا إيمانكم، قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله”
نتذكر كل ذلك و يزيد، فنعلم أن لذلك أثر في قلوبنا، و نعلم أن تلك التزكية كانت لنا جنة ضد أي انحراف عقدي، و علمنا أن العلم طريق النجاح، فانفتحنا على مدارس شتى من الكتابات، حتى أني أذكر أني قرأت كتبا إسلامية و ختمتها بكتب لمفكرين يساريين من غير أي حاجز نفسي، في ذلك الزمن قرأت لبعض كتابات حسين مروة و الطيب التيزيني، و قرأت لعلي شريعتي و حسين فضل الله، و كتابات الشيخ عبد السلام ياسين و محمد قطب و محمد الغزالي و الشيخ يوسف القرضاوي..عناوين كثيرة و باقات علمية كانت وفيرة..
و لا عجب في ذلك، فقد كانت مكتبة الجمعية الإسلامية عامرة، و كنت مكلفا بها لمدة ثلاث سنوات، و أشهد الله أنها كانت أجمل مراحل عمري و أفضلها على الإطلاق.!
و من الكتب التي تدارسناها في مجالسنا التربوية، كتاب تربوي استشرافي، هو من أجل الكتب التي يمكن الاستناد التربوي إليها، كتاب ” آفات على الطريق” لمؤلفه الدكتور محمد نوح، و برمجته كانت في سياق التعامل مع تلك الحماسة التي كنا نحملها كشباب، يريد بذلك المربي أن ينبهنا أن الحياة تحتمل إكراهات قد تنزلك في مدارج سالكي الإيمان درجات أو ترفعك، و هي آفات واقعية يسلكها كل سالك، و قد علمتنا الحياة بعدها، أن الإنسان خلق ضعيفا، و أن السقوط واقع لا محالة، غير أن قمة النجاة تكمن في طريقة النهوض، و للحديث بقية إن شاء الله..