
– لبيب المسعدي
قد يتساءل البعض منكم ( بطيبة أو بقلب أسود ) وفي السر غالبا، عن سبب توثيقي لايامي العادية بحرفيتها المهنية والحياتية، لماذا أبالغ في توثيق يومياتي بهذا الكم من الڤيديوهات؟ كاني احدث ضجيجا في صمت العالم.
لا ألومهم.. فالعادة ان نظهر للذروة لا الصعود، النتيجة لا المعاناة، اللمحة لا الفيلم.
لكن الحقيقة، التي يختزنها كسر وجودي، هي ان التوثيق هو ندائي في البرية. هي محاولة لإثبات وجودي أمام نفسي أولا، في عالم صار يذوب فيه الفرد المعزول داخل كتلة بشرية صماء.
أنا يا سادة انسان إجتماعي بفطرتي، مصمم على أن يكون له صدى، أن يرى نفسه في عيون الاخرين. ربما لسبب قديم هو أنني كبرت وحيدا بدون إخوة. الحياة، بقسوتها الناعمة، تسلبنا فضاءات اللقاء تدريجيا. فالمقهى، ذلك المسرح الصغير للحكايات والهمسات، لم يعد ملاذي الجماعي. كانت تلك الطاولات، في زاوية “القصر الكبير” العتيقة، هي رئة نخرج منها ضغوطنا لنستنشق هواء القرب. كانت عملية تفريغ شبه جراحية، نخرج منها اخف، لاننا نشارك الثقل. أما اليوم في غربتي الجميلة، لم يعد مكان ألتقي فيه مع من يرتاح قلبي في حضرتهم، فصنعت من العالم الجديد مكانا لي.
هذا التوثيق، بالنسبة لي، هو مقهى افتراضي. هو طاولتي التي اجلس عليها، وأشارك مع من يرغب في الجلوس، قهوة يومي ومرارة تحدياتي وحلاوة انتصاراتي الصغيرة. هي محاولة لتغذية “الانا” لا بالتباهي، ولكن بالاقرار بأنني موجود، وانا هنا، وأنا أشتغل، وأنا أحاول النهوض، وأنا أتعثر، وأنا أحاول النهوض مرة أخرى. مثلكم تماما.
ليس المقصود أن أظهر قويا، فالكاميرا ترى تعثري قبل اتزاني. ليست محاولة للتباهي، فحجم المعاناة النفسية التي اخفيها وراء الكواليس لا يعلمها الا الله والقلة التي تمسك بمفتاح روحي.
الفعل في جوهره الفلسفي، تمرد على العزلة. محاولة لخلق معنى في عالم قد يبدو أحيانا بلا معنى. هو صياغة سردية خاصة بي لأيام قد تبدو متماثلة، لأثبت أن فيها ما يستحق الحكاية.
فان رأيتموني أفعل ذلك، ولو بإفراط، فاعلموا انني ببساطة: أحاول أن أكون جزءا من العالم، منذ أن فقدت (نسبيا) مكاني المحدد فيه.