
ـ بقلم : يوسف الصياري *
تُعتبر الانتخابات إحدى الركائز الأساسية للنظام الديمقراطي، فهي الآلية التي يمارس من خلالها المواطنون حقهم في اختيار من يمثلهم داخل المؤسسات المنتخبة. وقد نص دستور المملكة المغربية لسنة 2011 في الفصل الثاني على أن “السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها”. كما أكد الفصل 11 على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي.
غير أن الواقع يُظهر أن نسبة كبيرة من المواطنين، وخاصة فئة الشباب والطلبة، لا تُمارس حقها في التصويت، مما يفسح المجال أمام ممارسات غير ديمقراطية. وحسب ما هو متداول في الرأي العام، فإن من أبرز هذه الممارسات ظاهرة شراء الأصوات واستغلال الفئات الهشة والطبقة الكادحة مقابل مبالغ مالية زهيدة. وهو ما يؤدي إلى استمرار هيمنة نفس الوجوه ونفس العقليات التي ساهمت في تكريس الفشل التنموي وتردي الأوضاع الاجتماعية.
إن الحق في التصويت والترشح حق دستوري مكفول لكل مواطن، وليس عيباً أن ينتمي المرء إلى حزب سياسي أو أن يشارك في العملية الانتخابية، بل العيب الحقيقي هو العزوف واللامبالاة، وترك المجال للمفسدين للتحكم في مصير البلاد. وقد نص الفصل 30 من الدستور على أن: “لكل مواطنات ومواطنين بلغوا سن الرشد المدني، التمتع بحقوقهم السياسية، ومنها حق التصويت والترشح للانتخابات”.
كما أن القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب نص في مادته الثانية على أن أعضاء مجلس النواب يُنتخبون بالاقتراع العام الحر المباشر، مما يعزز مسؤولية الناخب في اختيار ممثليه. ومن جهة أخرى، أكد القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية في مادته الأولى على أن أعضاء هذه المجالس يُنتخبون بالاقتراع العام المباشر، بما يترتب عن ذلك من واجب وطني على كل مواطن للمشاركة في صياغة القرار المحلي.
ومن هذا المنطلق، فإن الطلبة باعتبارهم نخبة مثقفة وواعية، يتحملون مسؤولية مضاعفة في توجيه الرأي العام، والبحث عن البرامج الجادة والأحزاب التي تضع مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية. إن المشاركة الواعية في الانتخابات القادمة يجب أن تكون خطوة أساسية نحو تغيير حقيقي في التسيير المحلي والوطني.
ولعل مدينة القصر الكبير نموذج بارز على هذا الوضع، حيث يظل الطلبة والشباب بصفة عامة محرومين من أبسط حقوقهم الثقافية. فمثل دار الثقافة –التي من المفترض أن تكون متنفساً وحاضنة للإبداع الطلابي– مغلقة منذ سنوات، مما يعكس غياب رؤية تنموية لدى القائمين على تدبير الشأن المحلي. ومثل هذه الاختلالات لا يمكن تصحيحها إلا بمشاركة فعالة في اختيار من يمتلك الكفاءة والنزاهة.
شهادة شخصية
أعترف أنني لم أشارك قط في أي استحقاق انتخابي، ولحد الآن لم أنتمي يوماً إلى أي حزب سياسي. كنتُ أرفض فكرة التصويت بحكم أنني لم أكن أرى في الساحة من يمكن التعويل عليه. لكن مع تراكم التجارب واكتسابي للمعرفة والدراية، تغيّر موقفي بالكامل. اليوم أؤمن أن الامتناع عن التصويت لا يُعاقب سوى الوطن والمواطنين، وأن الإصلاح يبدأ من المشاركة الواعية. لذلك فإنني سأمارس حقي الدستوري في التصويت والترشح خلال الانتخابات المقبلة إن شاء الله، إيماناً مني بأن التغيير الحقيقي يمر عبر صناديق الاقتراع.
خاتمة
إن التغيير لا يأتي بالشعارات ولا بالانتقاد من خلف الشاشات، بل يبدأ من ممارسة الحق الدستوري في التصويت والترشيح. الانتخابات ليست مناسبة عابرة، بل هي مسؤولية وطنية وأداة أساسية لمحاربة الفساد والمفسدين وتحقيق التنمية المحلية والوطنية. لذلك فإن الطلبة والمثقفين مطالبون بأن يكونوا في طليعة المبادرين، حتى يكون صوتهم صادحاً في صناديق الاقتراع، ولأجل أن تُبنى مغرب الديمقراطية على أسس المشاركة الواسعة والاختيار الواعي.
- يوسف الصياري : طالب بالكلية المتعددة التخصصات بالعرائش