قراءة في كتاب: الحركة الوطنية في القصر الكبير 1930-1956 جدلية المحلي والوطني “للدكتور محمد الصمدي”

21 أغسطس 2025
Oplus_131072

بقلم دة. لطيفة الجباري

لقد تشرفت خلال هذه السنة باهداء لكتاب قيم من طرف الكاتب والمؤرخ المغربي القصري الدكتور محمد الصمدي، وقد صادفت المناسبة حلول شهر رمضان الكريم فكانت قراءة هذا الكتاب بالنسبة الي احسن فسحة رمضانية. اذ استمتعت بقراءته بتان وامعان . وهذا الكتاب يحمل عنوان:” الحركة الوطنية في القصر الكبير1930-1856 جدلية المحلي والوطني-“الطبعة الاولى 2017 من منشورات:المندوبية السامية لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير- الاخراج الفني و الطباعة لدار ابي رقراق للطباعة والنشر-الرباط
وهو مؤلف تاريخي يحمل لمسة أدبية، ونحن نعلم ان للتاريخ صلة وثيقة بالادب فإذا كان الادب تعبيرا فنيا عن التجربة الإنسانية فهو غالبا ما يعكس الاحداث التاريخية بينما يعمل التاريخ على توثيق هذه الاحداث وتحليلها . من هنا يمكن القول ان الادب والتاريخ يشكلان معا مرآة تعكس التطورات الحضارية و المجتمعية عبر العصور.والتاريخ هو سجل الاحداث الماضية و أسبابها ومهمة المؤرخ هي تفسير اسباب الاحداث في قالب أدبي و دون ذلك تصبح تلك الاحداث مجرد سجل اجوف. وهنا تكمن ميزة كتاب: الحركة الوطنية في القصر الكبير 1930-1956 جدلية المحلي والوطني حيث نلمس فيه التفسير و التعليق عن الاحداث التاريخية للمقاومة القصرية ضد الاستعمار.وقد استهل الكتاب بتقديم للمندوب السامي لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير الدكتور مصطفى الكثيري تليه مقدمة للكاتب د. الصمدي نفسه يذكر فيها دوافع اختياره للموضوع ويطرح اشكالية البحث ومنهجيته.وقد عمد الى تقسيم بحثه الى ثلاثة أبواب تم تفريعها الى فصول و مباحث :
الباب الأول: نشأة الحركة الوطنية بالقصر الكبير 1930-1937
الباب الثاني: تطور الحركة الوطنية في القصر الكبير 1937-1953
الباب الثالث: القصر الكبير ومعركة الاستقلال 1953-1956
ثم ببلوغرافيا للمصادر والمراجع باللغة العربية و الأجنبية( كتب-مجلات -ندوات-جرائد-روايات شفهية )ثم فهارس الموضوعات و الصور و الجداول….
لن افصل الحديث عن محتوى الكتاب الهام انقلعي رؤوس أقلام سجلتها عن مضمون هذا المؤلف الذي يؤرخ لحقبة زمنية عن كفاح مدينة القصر الكبير المجاهدة التي قلت المراجع عن نضالها الى عهد قريب،ولعل هذا مبتغى د.محمد الصمدي والعامل الذاتي الذي الف من أجله هذا الكتاب اذ هو على حد قوله” تسجيل دور مدينة القصر الكبير في الكفاح من اجل تحرير الوطن الذي كان الى عهد قريب مازال ينتظر التاريخ بالمقارنة مع ما سجل في الحواضر الكبرى كفاس والرباط وسلا وتطوان وطنجة و القنيطرة الا في استثناءات قليلة” واتبع الكاتب في بحثه منهجية الوصف والتحليل عبر مقارنة استنباطية للمصادر التي اعتمد عليها تتوسل حسب تعبيرالكاتب في قراءة الوثيقة بأدوات نقديةلتلتمس الواقع التاريخي وتستجلي جوانبه من خلال الوثائق المنشورة لدىمحمد عزوز حكيم في كتابه” اب الحركة الوطنية المغربية الحاج عبد السلام بنونةحياته ونضاله” الصادر باجزائه الثلاثة في الثمانينات مع جزء رابع في التسعينات و الوثائق المنشورة بمبادرة الاستاذ محمد اخريف في سلسلة”القصر الكبير وثائق لم تنشر” وكذا الاطلاع على الصحافة الوطنية خلال فترة الحماية في المنطقة الخليفية وصحف اسبانية وفرنسية بالإضافة إلى مذكرات قادة الأحزاب السياسية على المستوى الوطني وبعض قادة المقاومة المسلحة و جيش التحرير.
وقد تناول د. محمد الصمدي في الباب الأول بدايات نشأة الحركة الوطنية ما بين 1930 الى 1937 من حيث التحول من المقاومة المسلحة التي تزعمتها البادية الى العمل السياسي متمثلة في قبائل جبالة و الخلوط ( معركة العنصرة ) التي تغلبت فيهاقوة الاحتلال الاسباني على المجاهدين من اجل عزل المدينة عن باديتها كما مثلت مدينة القصر الكبير جبهة جنوبية غربية بالنسبة للمقاومة بالتنسيق مع حرب الريف.وقد شاركت المجموعة الوطنية في القصر الكبير في الكفاح السياسي بشكل مبكر سنة 1930 وهي سنة صدور الظهير البربري وزيارة شكيب ارسلان الى تطوان اذ ارتبطت المدينة بالتنظيمات الوطنية الوطنية الاولى التي ظهرت في تطوان في مبادرة من الحاج عبد السلام بنونة والتي كانت على علاقة بالمجموعات الوطنية في كل من فاس والرباط وسلا وتفاعل المدينة مع المنطقة السلطانية سواء بالتظاهر او الإضراب و اهتمت بالجانب التعليمي و الثقافي كاحد مرتكزات العمل الوطني
اما في الباب الثاني فقد اهتم د. الصمدي باظهار تطور الحركة الوطنية في القصر الكبير بين 1937-1953 حيث ظهرت فروع الاحزاب الوطنية في المدينة ممثلة في حزب الاصلاح الوطني وحزب الوحدة الوطنيةبتطوان في سياق الحرب الاهلية الاسبانية واقيمت لها فروع في مدن المنطقة ومنها مدينة القصر الكبير سنة 1937-1938. وقد غلبت على الحركة الوطنية المنافسة والصراع بين الحزبين المذكورين الى حين اندلاع الحرب العالمية الثانية واحتلال فرنسا من طرف الالمان مما سيؤدي الى تطور حجم النشاط الحزبي خاصة حزب الاصلاح الوطني الذي ضم تنظيمات نشيطة كمنظمة الفتيان وجمعية الطالب المغربية الى جانب حزب الوحدة الوطنيةالذي ساهم في الكفاح الوطني واحياء المناسبات الوطنية والقومية،ثم دخلت الحركة الوطنية في مواجهة مع المندوب الاسباني بعد الحرب العالمية وانتصار المعسكر الفاشي ثم بلغت المواجهة بعد الحرب العالمية الثانية الى حد الانفجار…. كما اعتبر الكاتب الرحلة السلطانية في 9 ابريل 1947 الى مدينة طنجة من المحطات الكبيرة الشاهدة على مكانة مدينة القصر الكبير ودورها الوطني.كما تطرق الى موضوع مواجهة هذه المدينة للحدود الصطنعة على مقربة من المدينة من حيث الاحتكاك اليومي مع الحواجز مما دفع القصريين الى مناهضتها بتاطير من الحركة الوطنية…. واثر القمع الذي تلا سنة 1948 انحسر العمل الوطني والنشاط الحزبي في القصر الكبير حيث دخل في مرحلة ركود ولم يستانف الا في سنة 1952…
اما في الباب الثالث فقدتناول فيه د. الصمدي علاقة مدينة القصر الكبير بملحمة ثورة الملك والشعب التي ابتدات في20 غشت 1953 وظهرت عمليات فدائية لمقاومة الاستعمار بعد نفي ملك البلاد اذ تحولت مدينة القصر الكبير بحكم موقعها الحدودي الى معبر وملاذ وامن للعديد من الفدائيين و المقاومين المطاردين من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية وتتعدد اشكال وصيغ الدعم التي برهن عنها القصريون في خوض غمار الكفاح الوطني سواء عبر تسريب السلاح الى اماكن تنفيذ العمليات الفدائية لحركة المقاومة وجيش التحرير في المنطقة السلطانية كما تفاعل القصريون مع وقائع استقلال المنطقة السلطانية حيث خرجوا يوم5 مارس 1956 للتعبيرعن فرحتهم باستقلال جزء من وطنهم مما ادى الى مواجهة عنيفة مع السلطات الاسبانية خلفت ردود فعل واسعة رسمية وشعبية اجبرت السلطات الاسبانية على الدخول في مفاوضات مدريد في ابريل 1956 انتهت باستقلال المنطقة الخليفية الخاضعة لنفوذها.اعقب ذلك الزيارة الملكية الميمونة الى مدينة القصر الكبير في العاشر من ابريل 1956 التي التقى فيها العاهل المغربي محمدا الخامس بالقصريين وسط احتفالات شعبية عارمة وقد اسقبل جلالة الملك ابرز رواد الحركة الوطنية بالمدينة…
وقد عمل د.محمد الصمدي في مؤلفه على التفصيل والتفسير و الدقة في وصف الاحداث وذكر الشخصيات السياسية والوطنيةوكفاحها كل من جانبه في سبيل تحرير الوطن بطريقة مشوقة ومثيرة للاهتمام بعيدا عن الغموض مما جعله يضفي الحيوية على السرد التاريخي و القدرة على بناء الماضي الذي يحيي الروح الوطنية في النفوس والغيرةعلى الوطن….كما تميز د. الصمدي في كتابه بالموضوعية وعدم التحيز لفئة دون اخرى بعيدا عن الميول الذاتيةو الاهواء السياسية لذا التمس من المواطنين الاقبال على قراءة كتاب” الحركة الوطنية في القصر الكبير….” في شغف واهتمام فهنيئا لمدينة القصر الكبير باحد ابنائها البررةومزيدا من العطاء للدكتور محمد الصمدي.

دة. لطيفة الجباري

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading