
بقلم: خديجة الشرقاوي – صحفية مهنية ورئيسة جمعية حقوقية.
يوم الخميس الماضي على الساعة العاشرة والنصف صباحا، كنت أتجه على عجلة من أمري من مدينة القصر الكبير نحو طنجة،لحضور إجتماع مهم وأغراض أخرى إدارية، ظننت أن الرحلة ستكون عادية، لكن سرعان ما تحولت إلى مشهد سريالي تتداخل فيه ملامح الجشع، وخرق القانون، والتطاول على الحقوق، الحكاية تبدأ من سيارة أجرة كبيرة أمام محطة القطار القصر الكبير، حين فوجئتُ – ومعي ركّاب آخرون – بأن السائق يفرض تعريفة تفوق ما هو معتاد و منصوص عليه قانونًا.
بحسٍّ حقوقي ومسؤول، رفضت الانصياع لهذا العبث، وسألت السائق عن التسعيرة القانونية، لأفاجأ به يتصل بما وصفه بـ”رئيس جمعية مهنية لقطاع الطاكسيات” . لم يكن حضوره لتقويم السلوك أو فتح حوار، بل جاء ليطالبني ببطاقتي الوطنية! وحين رفضتُ منحه إياها – لأن لا صفة له تخوّله ذلك – بادر إلى تهديدي قائلاً: “انتحال صفة… غادي نجرجرك للكوميسارية”. أجبتُه: “وأنا بدوري رئيسة جمعية معترف بها، ولا أطلب بطاقة تعريف أي مواطن، لأني مدنية ولست ضابطة قضائية، والصفة لا تمنحنا سلطة فوق الناس بل مسؤولية أخلاقية تُحتّم علينا الدفاع عنهم لا قمعهم.”
من سائق إلى كوميسارية… من مواطنة إلى مشتبه بها؟
تحوّلت لحظة الاحتجاج المشروع إلى مشهد عبثي، بعدما التحق بي الركاب الستة إلى مفوضية الشرطة، نيّة منا في وضع شكاية جماعية، غير أن المفاجأة كانت في التوجيه السلبي الذي تلقاه المواطنون: “غادي تضيعو وقتكم بين الطلوع والهبوط”، فبدأ البعض يتراجع، وخرج آخرون في صمت. بقيتُ وحدي أطالب بحقي، قبل أن يتدخل ، رئيس جمعية حماية المستهلك، ليؤكد صفتي كصحفية وفاعلة جمعوية معروفة، ما أدى إلى “تلفيف” الملف وإغلاقه دون تحرير محضر أو متابعة.
الأسئلة المحرجة التي لا يجيب عنها أحد
هل أصبح الاحتجاج على الزيادة غير القانونية في أسعار الطاكسي جريمة تستوجب التهديد بـ”الجرجرة”؟
هل تحوّلت بعض الجمعيات المهنية إلى أدوات لقمع المواطن لا للدفاع عن القطاع؟
هل يمكن لرئيس جمعية أن يطلب بطاقة هوية من مواطن دون أي صفة قانونية؟…
ما بين الفوضى والفراغ… يبقى المواطن الضحية.
إن ما حدث لا يعكس فقط تجاوزًا من سائق، بل يفضح تغوّل بعض الجهات التي تنصّب نفسها فوق القانون، مستغلة فراغًا تشريعياً ومؤسساتياً يضرب في الصميم ثقة المواطنين في آليات الحماية والعدالة الاجتماعية. والأدهى أن من يُفترض أن يكونوا “رُكّابًا” في درب الاحتجاج، ينزلون في أول محطة خوفًا أو يأسًا، ويتركون أصحاب الحق في عزلة قانونية واجتماعية.
اليوم، لا أكتب لأجل “حادثة شخصية”، بل لأدق ناقوس الخطر. نحن أمام ظاهرة تتكرّر يوميًا في كل مدن المغرب: غياب تسعيرة واضحة، انعدام لوحات تعريفية على السيارات، تهديد للركاب، و”شبه مافيات” تتستر خلف أسماء جمعوية لفرض أمر واقع بالقوة.
إننا بحاجة إلى مراجعة شاملة لقطاع النقل العمومي، بدءًا من تنظيمه القانوني، مرورًا بتأهيل السائقين وتكوينهم، وصولًا إلى تفعيل آليات الرقابة والعقاب. كما أننا في حاجة إلى أن يؤمن كل راكب، وكل مواطن، أن صوته لا يُقمع، وأن كرامته ليست محل تفاوض.
فلا أحد فوق القانون. لا السائق، ولا من يُسمي نفسه رئيس جمعية، ولا حتى “الصمت الرسمي” الذي يجعل من الجشع عرفًا… ومن المطالبة بالحق جرمًا.