
بقلم : عبد المجيد بوزيان
منذ أكثر من نصف قرن، كان شارع مولاي علي بوغالب في مدينتي العريقة القصر الكبير هو الدرب الذي أسلكه يوميا إلى الثانوية المحمدي، كنت أعبره أكثر من أربع مرات في اليوم، وقد شدني إليه سكونه الظليل وأشجاره الوارفة، وأحواضه الغناء، وتغريدات طيوره التي لا تهدأ إلا عند الظهيرة تقريبا، لتعود قبل الغروب بألحانها العذبة خصوصا تلك الطيور المعروفة عندنا باسم ” الحسنية” أو “مي الحسن”، أبدأ رحلتي من ضريح للا فاطمة الأندلسية حيث بيت العائلة، مارا برياض الرميقي ودار احسيسن المحاطة بغرسة أشجار البرتقال، ثم مقهى الجلدة، حيث تنتهي المدينة القديمة المعروفة باسم باب الواد، وتبدأ ملامح المدينة الحديثة، وأول ما يستقبلني هناك هو السوق المركزي( البلاصا) أسير بمحاذاته لأجد مقر متقاعدي جيش التحرير وبعض الدكاكين وحانة “الزعيم” على يميني، وسينما اسطوريا وحانة “بيبي” على يساري، ومنهما يبدأ شارع مولاي علي بوغالب، ذاك الذي لازال الحنين يشدني إليه، كما لو أن جماله القديم لا يزال حيا في ذاكرتي، كان شارعا طويلا تصطف على جانبيه مناظر تبهج العين وتسرّ القلب، على يمينه حوض واسع يمتد على طول الشارع، تغمره خضرة ربيع زاهية، تتمايل فيه ورود مختلفة الألوان، من الأحمر القاني إلى الوردي الرقيق، ومن الأبيض الناصع إلى الأصفر الذهبي، وعلى يساره نفس المشهد البهي يتكرر، خضرة نضرة، وورود متفتحة تنبض بالحياة ، وكأن الشارع يسير وسط حديقة لانهاية لها، تغني الروح وتنسي التعب والهموم، وينتهي شارع مولاي علي بوغالب بمقر المجلس البلدي على اليسار، وكنيسة القلب المقدس على اليمين، ولا يمكن أن نذكر هذه الكنيسة دون أن نستحضر الأيام التي كانت تفتح فيها أبوابها للمصلين، أيام الأحد وأيام الأعياد الدينية الخاصة بالنصارى ، في هذه الأيام يزداد الشارع جمالا بأجراس الكنيسة، أجراس ذات النغمات العذبة التي تشبه همسات الزمن المبتهج، كما يزداد الشارع روعة بالمصلين حين ينتهون من صلاتهم ويسيرون على طول الشارع جماعات يتبادلون الحديث والابتسامات، ورائحة العطور تملأ المكان عن آخره، وتتقدمهم فتيات صغيرات بخطى رقيقة وكأنهن عرائس وقد تهيأن للاحتفال، يرتدين فساتين ناصعة البياض ويزينن رؤوسهن بأكاليل من الزهور، أكيد أن شارع مولاي علي بوغالب يحن إلى ماضيه الجميل ويأسف لحاله بعد عمر طويل.