هدير القصر الكبير: رواية تستحضر قضايا المدينة بأسلوب روائي .

6 مارس 2025

بقلم الباحث : وليد موحن
تعد مدينة القصر الكبير من الحواضر التي استقطبت اهتمام عدد كبير من المبدعين، سواء في مجال التأريخ أو الدراسات الدينية أو السرد الأدبي، نظرا لغناها التاريخي والحضاري. ومن بين الأعمال التي استوحت من عبق هذه المدينة رواية “هدير القصر الكبير” للكاتب الدكتور عبد الوهاب ايد الحاج، الذي، رغم خلفيته الأكاديمية في مجال الرياضيات، انشغل بقضايا التراث وتسويقه ثقافياً.

يتميز هذا العمل بأسلوبه الأدبي الراقي، ويبدو أن اختيار عنوان الرواية لم يكن عبثاً، إذ يوحي “الهدير” بالقوة والصخب، وربما يحمل إشارة إلى المكانة التاريخية التي تحتلها القصر الكبير، سواء على المستوى الوطني أو العالمي.

إصدارات الكاتب: بين التاريخ والخيال السردي
لم تكن هذه الرواية أول أعمال الدكتور عبد الوهاب أيد الحاج، فهو صاحب العديد من المؤلفات التي تتناول قضايا التراث والتنمية، خاصة في مدن شمال المغرب. ومن بين أبرز أعماله:

“عتاب بقرة قرطبية”: رواية تستعيد مأساة أميرة أندلسية ثائرة.
“التطاونيات”: عمل روائي يسلط الضوء على جوانب ثقافية واجتماعية.
“شاطئ المبكى”: رواية تصور معاناة الأبرياء المطاردين.
“إهانة مواطن: نحو حكامة جيدة لاحترام المواطنين”: بحث في قضايا المواطنة وحقوق الإنسان.
“الجامعة والمحيط ورهان التنمية”: دراسة تتناول العلاقة بين المؤسسات الأكاديمية والتنمية المحلية.
الرواية: سفر عبر الزمان والمكان
تأخذنا “هدير القصر الكبير” في جولة داخل أزقة المدينة وأحيائها، من المرس إلى باب الواد، مروراً بـ الثانوية المحمدية، حيث تتشابك خيوط السرد بين الحبكة الأدبية والتاريخ البطولي. تعالج الرواية قضايا متعددة، مثل الحب، الهجرة، الظلم الاجتماعي، والتضامن المجتمعي، وتعيد تسليط الضوء على أحداث تاريخية مثل اهتمام نابليون بونابرت بالمدينة، وزيارات بعض الرحالة الذين وثّقوا مشاهداتهم عنها.

شخصيات الرواية: بين الأمل والانكسار
تُجسد الرواية مجموعة من الشخصيات التي تعكس صراعات الواقع الاجتماعي، من أبرزها:

عبد الله: المثقف الذي أجبرته الظروف على الهجرة غير الشرعية، ليجد نفسه بين ليلة وضحاها متّهماً بجرائم لم يرتكبها.
عائشة: شابة تقاسمت مع عبد الله المعاناة والقهر، بحثاً عن حياة كريمة.
سي سلام: أستاذ متقاعد من الثانوية المحمدية، يمثل نموذج المعلم الذي يفتخر بطلابه، ويؤمن ببراءتهم، ويدافع عنهم أمام المجتمع.
النهاية: هل يكون المهجر بديلاً عن الوطن؟
تنتهي الرواية باستقرار عبد الله وعائشة في البرتغال، حيث يعيشان حياة هادئة بعد أن ثبتت براءتهما من التهم التي لاحقتهما. غير أن الحنين إلى القصر الكبير يبقى حاضراً، في دلالة على أن الهجرة قد توفر الاستقرار المادي، لكنها لا تمحو جذور الانتماء.

لماذا تعتبر “هدير القصر الكبير” عملاً مميزاً؟
تكمن قوة هذه الرواية في قدرتها على إعادة إحياء ذاكرة القصر الكبير بأسلوب أدبي مشوّق، حيث يتداخل التاريخ بالسرد، والواقع بالخيال. إنها ليست مجرد عمل أدبي، بل توثيقٌ لحياة الناس وفضاءاتهم وأحلامهم وانكساراتهم، في حبكة درامية متقنة.

هنيئاً للدكتور عبد الوهاب أيد الحاج على هذا العمل المتميز، الذي يثري المكتبة الأدبية المغربية، ويقدم نموذجاً ناجحاً في استثمار التاريخ في السرد الروائي.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading