
بقلم : ربيع الطاهري
كثيرا ما نجد أن الإنخراط في العمل السياسي في واقعنا المعاش يصاحبه عادة بعض السلوكات النشاز و الغير المألوفة ، من قبيل العدوانية تجاه الخصوم السياسيين حيث يستباح فيها استعمال جميع الأسلحة المحضورة أخلاقيا و مجتمعنا ودينيا…، متجاوزة بذلك المقولة الشهيرة أن “السياسة أخلاق” أو أنها بالكاد ” يجب أن تمارس بأخلاق ” ،فالأصل في العمل السياسي النبل و الأخلاق،فقد كانت تمارس في العهود القديمة من طرف النبلاء ،الأهل لإدارة شؤون العامةوالرعاع ،و لكن مع الحقوق الكونية و مفهوم الديمقراطية الشعبية و التمثيلية اضحت السياسة مرتع لكل من هب ودب، فاختلط بها و بأفعالها الصالح و الطالح، لدرجة يصعب معها التمييز و الإختيار ،فأصبح الفعل السياسي بتمثلاته يتصف بالسلبية و بكل السلوكات الغير السوية و الغير المقبولة أخلاقيا ،وذلك نتيجة لذلك الفاعل السياسي الهلامي الذي يستعمل السلوكات العدوانية لمهاجمة الخصوم السياسيين للوصول إلى السلطة أو لاستثبابها أو المحافظة على ذلك الإمتياز (الكرسي) ،فيسخر كل الوسائل مع بطانته ومنتفعيه، وآلته من الشبيحة و عديمي الضمير ، دون ما رادع أو موجيب للتعقل ،ومستبيحا كل شيء، متجاوزا الخطوط الحمر في الممارسة السياسية مع الخصوم .
للأسف تعزز هذه السلوكات تلك التمثلات بداخل المجتمع بأن السياسيين كلهم فاسدون، وبأنهم انتهازيون و يستغلون العامة لتحقيق المآرب الشخصية و تحسين الوضعيات الاجتماعية ، و التسلق لسلم المجد عن طريق السلطة و الطغيان و التغول …لحد يذهب بصاحبه إلى التنكر لذاته و التمرد على كل القيم النبيلة و الفاضلة من أجل تلبية مطاميع إما لنفسه أو لولي النعمة ال ( Big Boss ) ،فيظهر بين الفينة و الأخرى مجموعة من الإنتحاريين يحسبون أنفسهم مناضلين أو فدائيين عبثا أو أنهم مدافعين عن مشروع سياسي إلا في مخيلتهم ،إنما الأمر لا يعدو كون ال BigBoss يقذف بهم إلى نار العداوات و الخصومات …و تصفية الحسابات السياسوية مع خصومه سياسيين ذنب هؤلاء الوحيد أنهم ينتقدونه أو يفضحونه أو يوضحون ، و لا يباركون و لا يمدحون ما يعتبره ال Big Boss الصوابا أو منجزا ،بل ينظر إليه الآخرون أنه الزيغ و الاعوجاج عن الصواب.
فيتم تزيف الحقائق وغسلها بماء الكذب، و المكائد وقلبها و تسخير الانتحارييين وتمكينهم من كل الوسائل المادية و اللوجستيكية لمهاجمة هؤلاء الخصوم و اسكاتهم بكل الأشكال و السلوكات العدوانية ،لكن هيهات …
إلا أنه مع الأسف الشديد تكون دوما النتيجة مفاجئة بالصدمة التي تجعل من المرئ الذي كان مغيبا عن الواقع و يحسب نفسه أنه على صواب و أن كل الأسلحة مستباحةالتي سخرها لن تجعله في موقف المساءلة أمام المجتمع و القانون و الرأي العام و ضمائر الحية ،إن علنا أو حتى بذلك الصمت المستنكر ب”لا حول ولاقوة إلا بالله “، فتكون الصدمة إما مع ذاته أو المجتمع أو أمام القانون إلى حين … أو عندما ينهار ال BigBoss أو يزول أو تنتهي صلاحيته ، أو عندما يفطن ذلك الانتحاري المسكين إلى حقيقة أمره أنه كان مجرد آلة مسخرة للخدمة تنتهي صلاحيتها بمجرد أداء الواجب تجاه ال BigBoss ،أو عندما يكتشف أنه بنى لنفسه حلما وهميا ،مغرر به بأن ال BigBoss هو مخلصه و منقده من المآزق و المطبات إن وقع فيها ،في المقابل تجد الخصوم السياسيين متربصين لأفعال ذلك المنتحر المسكين سندهم إما المجتمع الصادق و الفاضح و المستنكر لكل أوجه الردة الأخلاقية و السلوكات العدوانية ،أو بالقانون و العدالة التي هي الفيصل بين هذا و ذاك ولو بعد حين …فيقع المنتحر الكاميكازي المسكين في موجة من الصدمات إما تعيده إلى واقعه أو تجعله يزيد في غيه و عناده إلى أن ينتهي تماما فيصبح نسيا منسيا، لن تجد له خلود لا من طرف ال BigBoss الذي كان سنده بالأمس القريب حتى قضي منه وطره، أو من الخصوص السياسيين الذين استعداهم لا لشيء إلا لترضية الخواطر كان يحسبها قناعات و لكن هي في الحقيقة بداية منحدر الانتحارات ،او من المجتمع الذي يستنكر إما في صمت أو بالواضح و الفاضح، وحتى ذلك المجتمع المنافق تجد له صوت يقول بين جوانب الظلمات ” راه جابا فرانسوا” ،” هو دارها الراسو ” ….” ما بغاش يحشم …” وأضعف الإيمان ” لا حول ولا قوة إلا بالله ” .
خاتمة القول لعل هذه السطور الناصحة قبل فوات الاوان ،توقض الضمائر الحية و يظهر رجل رشيد متعقل ، لأن هناك من المنتحرين من يحسبون صمت المجتمع صك قبول تصرفاتهم العدوانيةو العدائية ، فتأتي الصدمات المجتمعية و القانونية و عدالة السماء لتعيدهم إلى واقعهم …. الذي تنكروا له بعنادهم وتماديهم …
حسبنا كنا من الناصحين وحسب….