
محمد أكرم الغرباوي
نهار المدينة يبدأ ليلا . هي مقولة رجال المهن الصباحية ، من يستعدون لأنشطتهم و سعيهم الحلال و الناس رقاد . بالقرب من القشاشين و النيارين و المرياح المرس وسوق الصغير والكزارين سكرينيا المرينة دار الدخان دوار العسكر المناكيب دوار احسيسن … وغيرها من الأحياء كانت تهب و الشمس لم تستيقظ بعد نسائم الفطائر و تنتشر رويدا حيت الفراغ و الهدوء و أوائل المصلين فجرا .
كانت أغلب النسوة تعد أنواع الفطائر بالبيوت ( الرغايف . المسمن . البغرير ..) بإستثناء ليس دائم فطائر السفنج و التشورو . تحل بالمنازل ضيفا . إذ لم تكن بعد عادة بيع ( الرغايف و الحرشة … ) بالمحلات التجارية خارج البيوت .
– التشورو – فطور إسباني.

بالمقابل لمدخل العطارين ، لايزال المعلم الشريف بدكانه الأسطوري التاريخي ، يماثل آلة يدوية لصناعة التشورو . ( الفطائر الإسبانية ) ذات العجينة الخاصة . وحركات يده متوالية و كأنها معادلة حسابية خاضعة لنظام الزمن و الحركة و الإتزان . شريط العجين يخرج من الرحى بشكل مستقيم بنتوءات متوازية ، يقابله المعلم بصنع حلقات دوائر صغيرة ، يرميها مباشرة بصحن كبير به زيت مغلى . وعلى طرف منه . كان معلم متخصص في القلي وحساب الحلقات دون ميزان . كان العد دائما أكثر و أكبر ليس خطئ منه بل إعتمادا على قانون البسطاء أهل الصباحات الشرفاء : ” وأوفوا الكيل و الميزان ” يجمع التشورو في كيس ورقي ويأكل مقرمشا في صباح عائلي مختلف .
– شرائط الشفنج – فطور مختلف

كان لكل معلم حِرَفِيته و مهارته في فك سبائل العجين وتطويعه وجعله لينا طريا لذيدا بعد عملية القلي . كانت سلة البيض البلدي إلى جانب المعلمين الشفانجية والتي كانت مخصصة لزبناء يدركون حلاوة و معنى الشفنج المطفي بالبيض . إجتماع العائلة على فطور الشفنج كان لمرات وفق ظروف أو ضيوف أو خروج عن المألوف .
كانت محلات الشفنج مراكز إلتقاء صباحي للعديد من الأهالي و الأصحاب بأحياء المدينة . وكم من حي عرف بهم . كانوا شرفاء الإطعام لايؤمنون بربح مادي أكثر من ربح الناس . كثيرة هي كراماتهم و كرمهم . ونحن على أبوابهم محملين بمحافظنا أو كتبنا الدراسية كنا نسمع دعواتهم ” الأسبقية لولادنا الله ينفعنا بقرايتهم ”
– أاالحليب الصوت الخشن الناعم
قبل الخروج للمدارس كانت تقرع في الدروب و الأزقة أجراس معلقة على بعض الماعز . وأحيانا صوت بائع ينادي بصوت رخيم . بالنائمين رحيم ( واااالحليب .الحليييييييب ) هذه الحيوانات الأليفة كانت تعرف خطاها و تتوقف عند أبواب ألفتها . هادئة تهدي ضأنها لصاحبها بوداعة . سطل بنثوءات و طيات على جانبه . هي علامات الربع والنص و الليتر . علامات قياس اللترات . كان صاحب المعزات دائما يجتاز العلامات كرما منه. قارورات الحليب لا تتغير . تعرف من خلالها الأسر . كانت زجاجية بعنق متوسط خضراء أو بيضاء . و أخرى عبارة عن أواني قدحية من الألمنيوم بغطاء محكم من الجانبين . وكما أستعملت لهذا الغرض أيضا قواوير حليب الصيدلية المعقم .
كان الحليب طازج لم تشتكي منه الأمهات يوما .
– موقف الكرامة
العبور من شارع لالة رقية باتجاه محطة مولاي المهدي وسط المدينة . كان عاجا بنسوة و رجال يمتهنون الصعب الحلال . يشتغلون و يشتغلن حيت حقول المواسم الفلاحية بالمناطق المجاورة . كان الحصول على عمل بالموقف يتطلب الوصول أولا والدربة على الإشتغال وقوة التحمل. هكذا كانت شيم شريفات و شرفاء اللقمة و الرزق الحلال . كذلك كان ولازال للآن الشارع المطل على سوق الحايك و العطارين .
– سفر جماعي

محطة الحافلات كانت معروفة بسائقيها ليلا . و بمجموعة نسائية ورجالية اختاروا جميعا الرحلة الجماعية الشبه يومية كانوا أسرة ولحمة واحدة . [ لا أعرف سبب وصفهم بالبراكدية وهل يليق بهم أو لا ؟ ] لكن أعرف أنهم شريفات و شرفاء أمتهنوا الصعب الحلال . كانوا يدركون معاني وأسرار ومخاطر السفر . كان طوافهم يومي من القصر الكبير إلى سبتة . كن أعمدة أساس لأسرهن وعائلاتهن . كم شاركناهن الطريق عودة من الجامعة . هن من علمونا تجربة وواقعا أن الرزق الحلال صعب و مبارك فيه .
سلام لمن إستوطنوا الليل لينيروا ظلمة ورمق نهارنا . سلام ورحمة لمن عبروا وصفا في مقامنا .
ذ محمد أكرم الغرباوي
كاتب ومخرج مسرحي