ذ . إدريس حيدر
من كل أولئك الأطفال المتمدرسين ،فَضُلَ قرابة 20 تلميذا ،أي فصل وحيد ، و هم الذين تمكنوا من اجتياز امتحان ” الباكلوريا ” ،فيما الباقي ،إما امتهن مهن أبيه ،أو انخرط في سلك المجدية، أو هاجر خارج أرض الوطن ، و قلة منهم انحرفت و ترددت على السجن أكثر من مرة بتهم مختلفة .
كان نجاحنا في امتحان ” الباكلوريا ” حدث استثنائي في حياتنا و حياة عائلاتنا ،بحيث إنه زلزل كياننا و جعلنا نعتقد أن أبواب المستقبل الواعدة قد فُتِحت أمامنا، و أننا ربما سننخرط قريبا في سلك الإدارة و سنتمكن من إعالة أسرنا الفقيرة .
و شعرنا أن المجتمع بكامل تركيباته، أصبح يتعامل معنا باحترام و تقدير .
و لازلتُ أتذكر ذاك الصباح الذي قررنا فيه نحن الخمسة ،الالتحاق بمدينة ” الرباط” من أجل التسجيل في الكليات التي اختارها كل منا .
امتطينا حافلة محلية لصاحبها :المرحوم ” السدراوي ” ،محملين بحقائب كبيرة ممتلئة عن آخرها بملابس كل الفصول ،و الحال أن سفرنا لم يكن إلا بغرض التسجيل.
بعد وصولنا للعاصمة و بالضبط عند التوقف النهائي للحافلة في الساحة الصغيرة التي كانت محاذية لمحطة حافلات : C.T.M.و وزارة العدل حاليا ،تفرقنا في كل الاتجاهات لاستفسار المارة عن الطريق المؤدية للجامعة .
قطعنا مسافة طويلة و نحن نجر تلك الحقائب الكبيرة مرتادين لجلاليب صوفية درءا للبرد .
و عندما رأينا بناية كبيرة و شامخة ،كُتِب على واجهتها : ” جامعة محمد الخامس ” ، اعتقدنا أننا وصلنا إلى مبتغانا .
كان الشارع عريضا ،ظليلا و هادئا ، و أدركنا أننا في غادة راقية .
جلسنا في إحدى الكراسي الحديدية من أجل الاستراحة ،فغصنا في سبات عميق ، و لم نستيقظ إلا بعد سماعنا لأصوات كثيرة يتردد صداها في المكان .
كان الطلبة يخرجون من تلك البناية بعد قضائهم الصبيحة في الدراسة و التحصيل .
بعد لحظة من استيقاظنا فهمنا أننا نمنا بالقرب من كلية العلوم ، و أن هؤلاء الذين تعلو أصواتهم هم طلبتها.
يتبع…